شرح للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الحديث أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر الفقيه المصري رحمه الله، قال: حدثنا
النجاد، قال: حدثنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا أبو عاصم يعني: الضحاك
بن مخلد، عن ثور يعني: ابن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو
السلمي، عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
صلاة الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها الأعين
ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع؛ فأوصنا.
فقال: أوصيكم بتقوى الله، والطاعة؛ وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم
بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء بعدي، الراشدين
المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة
ضلالة.
ورواه الآجري، عن ابن عبد الحميد الواسطي، عن زهير المروزي، عن أبي عاصم.
ورواه عن الصندلي، عن الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، عن الوليد بن مسلم،
عن ثور بن يزيد.
الشرحهذا الباب هو الباب الثاني من أبواب هذا الكتاب، قال المؤلف:
باب الحث على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، وترك البدع، وترك النظر
والجدل فيما يخالف الكتاب والسنة وقول الصحابة.
فهذا الباب فيه الحث على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، والعمل بهما، وفيه
الحث على ترك البدع، وفيه الحث على ترك النظر والجدل فيما يخالف الكتاب
والسنة ويخالف أقوال الصحابة، فهو مكون من ثلاث فقرات: الفقرة الأولى: الحث
على التمسك بالكتاب والسنة. الفقرة الثانية: الحث على ترك البدع. الفقرة
الثالثة: الحث على ترك النظر والجدل فيما يخالف الكتاب، أو يخالف السنة، أو
يخالف أقوال لصحابة.
ذكر حديث العرباض بن سارية، وهو حديث رواه الأئمة والمحدثون، رواه الإمام
أحمد، والترمذي، والدارمي، وابن حبان، والبغوي كما بين أهل العلم، وكما ذكر
المحقق وفقه الله، رواه البغوي في شرح السنة، رواه أحمد، وأبو داود، وابن
أبي عاصم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، صححه ابن حبان والحاكم وقال: صحيح
على شرط الشيخين. وصححه الألباني.
وذكر المحقق فائدة نقلها عن ابن حبان، قال ابن حبان بعد روايته لهذا
الحديث: في قوله -صلى الله عليه وسلم-: فعليكم بسنتي عند ذكر الاختلاف الذي
يكون في أمته بيان واضح أن من واظب على السنن، وقال بها، ولم يعرج على
غيرها من الآراء؛ من الفرقة الناجية في القيامة، جعلنا الله منهم بمنه
آمين. يقول ابن حبان: من علامة أهل السنة أن الذي يواظب على السنن، ويقول
بها، ولا يعرج على الآراء؛ فهذا من الفرقة الناجية. يقول: يواظب على السنن،
ويداوم على فعل السنن، ويترك الآراء التي تخالف السنن، فهذا من الفرقة
الناجية.
وهذا الحديث حديث ثابت، حديث صحيح، وفيه أن العرباض بن سارية يقول: إن
الرسول -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم، بعد صلاة الصبح، ثم وعظهم. فيه
مشروعية الموعظة، وأن الإمام يعظ أصحابه، ولا بأس بالموعظة بعد الصلوات
الخمس كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم-
وعظهم بعد صلاة الصبح.
قال العرباض: ( وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ) من البكاء، ( ووجلت
منها القلوب ) خافت؛ خافت منها القلوب، لأنها حارة ومؤثرة ونابعة من القلب،
فلهذا أثرت في الصحابة، ( فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع )
يعني: لكونها مؤثرة كأنك تودعنا (فأوصنا. فقال: أوصيكم بتقوى الله والطاعة
وإن كان عبدا حبشيا. )
أوصيكم بتقوى الله تقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله
تعالى في كتابه العظيم: "وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ" وأصل التقوى توحيد
الله، وإخلاص الدين له، وأداء الواجبات، وترك المحرمات. قال بعض السلف:
(تقوى الله أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك
معصية الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله). التقوى أن تجعل بينك وبين
غضب الله وسخطه وقاية تقيك، تجعل بينك وبين النار وقاية، بالتوحيد بتوحيد
الله وإخلاص الدين له، وأداء حقه، وأداء الواجبات، وترك المحرمات، والوقوف
عند حدود الله، والاستقامة على دين الله، هذه هي التقوى.
أوصيكم بتقوى الله والطاعة الطاعة يعني لولاة الأمور، وإن كان عبدا حبشيا
لو كان ولي الأمر عبدا حبشيا؛ أوصيكم بالطاعة، وهذا الحديث تقيده الأحاديث
الأخرى كقوله: إنما الطاعة في المعروف يعني الطاعة في طاعة الله، أما
المعاصي فلا يطاع فيها أحد، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق هذا الحديث مقيد بالأحاديث الأخرى، والطاعة يعني
الطاعة في المعروف، وإن كان عبدا حبشيا، لو كان إمام المسلمين عبدا حبشيا
يجب السمع له والطاعة في المعروف، ولا يجوز الخروج عليه.
وهذا دليل على أن الولاية تثبت لولي الأمر إذا غلب الناس بقوته وسيفه وجب
السمع له والطاعة، ولو كان عبدا حبشيا، ولو لم تثبت ولايته بالاختيار؛ لأنه
لو كانت الولاية بالاختيار لاختير القرشي، يقول النبي: الأئمة من قريش إذا
توفرت فيهم الشروط، كما في الحديث الآخر: ما أقاموا الدين فإذا وجد من
يقوم بالدين وكان الاختيار للمسلمين اختاروا القرشي، فإن لم يوجد من يقوم
بالدين من القرشيين يختار من غيره، كما ثبتت الخلافة لأبي بكر وعمر وعثمان
وعلي بالاختيار، فالخلافة تثبت بالاختيار، كما ثبتت لأبي بكر، وبولاية
العهد كما ثبتت لعمر بولاية العهد من أبي بكر، والأمر الثالث إذا ثبتت
بالقوة، تثبت له إذا غلب الناس بقوته وسلطانه واستتب الأمر وجب السمع له
والطاعة، وثبتت بالاختيار والاتفاق في عهد الخلفاء الراشدين، ومن عهد
الخلفاء الراشدين إلى اليوم ما ثبتت بالاختيار والاتفاق. الدولة الأموية
والعباسية وهذه كلها ثبتت بالقوة وبولاية العهد، فيجب السمع والطاعة لولاة
الأمور ولو كان ولي الأمر عبدا حبشيا، وفي اللفظ الآخر حديث أبي ذر: أمرني
خليلي بأن أسمع وأطيع -يعني ولي الأمر- وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف
مقطوع الأنف والأذن، فالواجب السمع والطاعة لما في السمع والطاعة من
استتباب الأمن، وأداء ما أوجب الله، وترك ما حرم الله.
أما الاختلاف يبقى فيه الشر، فيه الفوضى، وفيه الاضطراب، وفيه إراقة
الدماء، وفيه اختلال الأمن، اختلال المعيشة، واختلال الاقتصاد، واختلال
الدين، ويحصل فتن وشرور لا أول لها ولا آخر، فالواجب السمع والطاعة لولي
الأمر بالمعروف؛ ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف، ولهذا قال النبي -صلى
الله عليه وسلم-: والطاعة - يعني لولي الأمر - وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من
يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا هذا فيه علم من أعلام النبوة؛ حيث أخبر
النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيحصل اختلاف، وقد وقع الاختلاف.
ثم قال: فعليكم بسنتي الزموا سنتي، الواجب لزوم السنة، وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين من بعدي سنة الخلفاء الراشدين يؤخذ بها إذا لم يكن في
المسألة نص، إذا لم يكن في المسألة نص وفيها سنة للخلفاء الراشدين يؤخذ
بها، ما لم يخالف نصا، مثل الأذان الثاني يوم الجمعة سنة الخليفة الراشد،
هذا إنما أمر به عثمان -رضي الله عنه-، لما كثر الناس في المدينة أمر بأن
يؤذن الأذان الأول على الزوراء؛ في مكان، لما كثر الناس في المدينة، وكان
في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وجزء من خلافة عثمان ليس
هناك يوم الجمعة إلا أذان واحد، وهو الأذان عند دخول الإمام والخطيب، ثم
لما كثر الناس واستشار عثمان الصحابة أمر بالأذان الأول للتنبيه، هذه سنة
الخليفة الراشد، سنة الخلفاء الراشدين.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: عليكم بها وعضوا عليها بالنواجذ أي:
تمسكوا بها. النواجذ هي: الأسنان التي تلي الأضراس، والمعنى: تمسكوا بها،
والإنسان إذا أراد أن يهتم بشيء عض عليه بالنواجذ.
وإياكم ومحدثات الأمور تحذير، محدثات الأمور يعني: الحدث الذي مخالف لدين
الله كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه
فهو رد وإياكم ومحدثات الأمور تحذير وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة
ضلالة .
هذا الحديث واضح في الترجمة في الحث على التمسك بالسنة، والحث على طاعة
ولاة الأمور، والتحذير من البدع.
المصدر:
موقع جامع شيخ الإسلام ابن
تيمية إقرأ شرح نفس الحديث في المواقع التالية
الموسوعة الإسلامية المعاصرةموقع ويكي مصدرالموقع الرسمي للشيخ عبد الله
بن عبد الرحمان بن جبيرن