أهم المسائل التي تتعلق ( بفقه حج المريض )
المسائل التي تتعلق بفقه المريض
المسائل التي تتعلق بفقه المريض
فقه حج المريض
عبد السلام بن محمد الشويعر
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته واهتدى بهداه إلى يوم الدين ...
أمَّا بعد
فإن الله تعالى قد رفع الحرج عن المريض ووضع عن كاهله المشقة والضرر؛
فقال سبحانه:
{ لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}،
ورَفْعُ الحَرَج عن المريض ظهر في الشرع
في صور متعددة رَفْعَاً ودَفْعَاً .
بل وزاد فضلُهُ سبحانه، وتمَّ إنعامُه بأن كَتَبَ للعبدِ المُؤمنِ في حَال مرضِه أجرَ مَا كان يعمله من الخير أو ينوي فعله وهو صحيحٌ سَليم ففي صحيح البخاري عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :
(إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا) .
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :
(ما أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده الا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه فقال اكتبوا لعبدي كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي)
. وفيه من حديث عقبة بن عامر أن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال :
(ليس من عمل يوم الا وهو يختم عليه فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة يا ربنا عبدك فلان قد حبسته فيقول الرب عز وجل اختموا له على مثل عمله حتى يبرا أو يموت) .
ومن الأبواب التي تدخلها أحكام
رفع الحرج عن المريض
(باب الحج والعمرة)،
فإن الله تعالى قد وضع عنه بعض الأحكام تخفيفاً وتيسيرا؛
كما قال سبحانه :
{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }،
فللمريض في المناسك أحكامٌ تخصه رُفع عنه بها الحرج، وأُزيلت بها المشقة والضرر .
وهذه الأحكام يمكن تقسيمها إلى خمس مسائل :
أولاً : سقوط وجوب الحج والعمرة على المريض .
وثانياً : رفض المريض للإحرام بعد الدخول فيه
.
وثالثاً : سقوط بعض الواجبات في الحج والعمرة عن المريض، وما يجب حيال ذلك .
ورابعاً : ما يجب حيال فعل المريض لبعض المحظورات لأجل مرضه .
وخامساً : تحقيق المناط في محظورات الإحرام .
والمسائل المتعلقة بفقه حج المريض
لا تخرج في الغالب عن هذه المسائل الخمس بهذا الترتيب .
وسنتحدث
–إن شاء الله تعالى-
على سبيل الإيجاز عن بعض هذه الأحكام،
مع ملاحظة أن للفقهاء مسالكَ متعددة وكثيرة في تبيين أحكام الحج ومناسكه،
وإنما سرتُ على ما يرجحه
أهل الفتوى في الحج .
أولاً : سقوط وجوب الحج والعمرة على المريض .
أوجب الله تعالى على المسلمين الحج مرةً واحدة في العُمُر، وكذا العُمْرة؛
يقول الله جل وعلا :
{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }
ويقول سبحانه :
{ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } .
ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :
(بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان) .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة
قال خطبنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال :
(أيها الناس قد فرض اللهُ عليكم الحج فحجوا)، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله، فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو قلتُ نعم لوجبت ولما استطعتم) .
وكذا العمرة هي واجبةٌ لقول الله تعالى
{ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ }،
ولما روى أبو داود والنسائي عن الصُّبي بن مَعبد
قال : أتيت عمر فقلت يا أمير المؤمنين إني أسلمت ..
وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي .. فأهللتُ بهما .
فقال عمر :
(هديت لسنة نبيك) .
وهذا الإيجاب للحج أو العمرة مشروط بالاستطاعة والقدرة، فمَن لم يستطع إما لنقصٍ في نفقته، أو ضعف في بدنه وقوته ونحو ذلك فإنه لا يجب عليه الحج
كما قال جلَّ وعلا :
{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }،
وروى أبو داود عن أبي الدرداء
قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :
(خمسٌ مَن جَاء بهن مع إيمان دخل الجنة من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وصام رمضان وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا) .
والمرض إذا كان يمنع صاحبه من الحج،
أو يكون عليه بأدائه حرجٌ ومشقة شديدان فوق العادة، أو كان الحجُّ يؤخِّر بُرءَه،
فلا يجب عليه حينئذٍ الحج؛
لتخلف شرط الوجوب وهو الاستطاعة،
لكن إن فعله صحَّ منه وأجزأ .
لكن هنا مسألة ذاتُ أهمية وهي : هل يلزم المريض أن يوكِّل غيرَه ليحجَّ أو يعتمر عنه الحجَّ والعمرةَ الواجبين ؟
ذكر الفقهاء أن هذا يختلف باختلاف حالات المرض :
1/ فإذا كان المرضُ عارضاً مما يرجى برؤه وشفاؤه منه،
فذكروا أنه لا يصح أن يوكِّل غيره، فإن فعل لم يجزئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم
إنما أجاز الحجَّ عن الشيخ الهرم الذي لا يستطع الثباتَ على الراحلة فقط
-كما سيأتي-
ولا يُقاس عليه مَن هو دونه بل ما شابهه
في العلة .
2/ أما إذا كان المرض مما لا يُرجى البرءُ ولا الشفاءُ منه غالباً؛ كحال الأمراض المزمنة والمستديمة، ويُلحَق به مَن كان نِضْوَ الخِلْقَة أي هزيل جداً، وكذا الشيخ الفاني .
فذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب أن يقيمَ المريضُ مَن يحج عنه ويعتمر إن كان مستطيعاً بماله
واستدلوا لذلك بما روى أبو داود والنسائي
من حديث أبي رزين
رضي الله عنه
أنه قال : يا رسول الله إن أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظَّعن .
قال :
(احجج عن أبيك واعتمر)
.
ولما ثبت في الصحيحين في قصة المرأة الخثعمية التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟
قال : (نعم) .
ثانياً : رفع الحرج عن المريض في رفض الإحرام بعد الدخول فيه :
ما سبق كان في تخفيف الله تعالى في عدم إلزام المريض بالتلبس بالنسك والدخول فيه حجَّاً أو عمرة لعذر المرض .
وهذه المسألة فيما لو دخل المرءُ في النسك، ثم عرض عليه عارضٌ من مرضٍ يمنعه أداء نسكِه . فهل يجوز له رفض الإحرام، والإحلال حينئذٍ، وما الواجب حيال ذلك ؟
فأولاً نبين معنى (الإحرام)، و (رفضه) .
فالإحرام يقصد به نية الدخول في الحج أو العمرة،
وأمَّا ترك سائر المحظورات في الإحرام فإنها أمر زائد على الإحرام، فقد يتلبس المرء بالإحرام ويكون محرِماً بالنية وهو فاعلٌ لبعض محظورات الإحرام كلبس المخيط وتغيط الرأس ونحو ذلك فيجب عليه الفدية لفعله لهذه المحظورات وهو محرِم .
وإذا تلبس المرء بالإحرام فإنه لا يخرج من كونه محرماً ويرجع حلالاً إلا بأداء مناسك الحج أو العمرة؛ كما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال :
(ثم لم يحلل النبي صلى الله عليه وسلم من شيء حَرُمَ منه حتى قضى حجَّه) .
والمقصود (برفض الإحرام) هو نية الخروج منه، والإحلال بدون إتمام باقي أنساك الحج
أو العمرة .
وقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على عدم صحة رفض الإحرام، وأن نية رفض الإحرام لغو غير ملتفت إليها إلا في حالة الإحصار وستأتي، وذلك لقول الله تعالى :
{ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ }
ومِن معاني الإتمام الإكمال، فيجب أن تُكمل أعمال النسك ولا ينقص منها شيء .
وعلى ذلك فإذا أراد المُحرِم بالحج أو العمرة أن يقطع عملَه ولا يتمه لأي سبب من الأسباب فإن إرادته تلك ونيته غيرُ معتبرة، وتعتبر كأن لم توجد بل يبقى على وصف الإحرام ويُحكم بأنه محرِم، فإن فعل شيئاً من محظورات الإحرام ظناً منه أنه صار حلالاً كلبس الثياب والتطيب والحلق وغيرها وجب عليه بفعلها الفدية لأنه فعل محظوراً من محظورات الإحرام حال إحرامه .
لكن يُراعى أنه توجد صورة ورد النصُّ بجواز رفض الإحرام فيها، وهي
(الإحصار)؛
كما قال الله جلَّ وعلا :
{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}،
فاستثى اللهُ تعالى حالةً واحدة من
وجوب إتمام
الحج والعمرة يجوز فيها رفض الإحرام وهي حالة الإحصار .