حوار ثوري
مع طه حسين
ضـوءُ
عينَيْـكَ أمْ هُمْ نَجمَتانِ؟
كُلُّهمْ لا
يَـرى .. وأنـتَ تَراني
لسـتُ أدري مِن أينَ أبدأُ بَوْحي
شجرُ الدمـعِ شـاخَ في أجفاني
كُتِبَ العشقُ ، يا حبيبـي ،
علينا
فـهـوَ أبكـاكَ مثلما أبكـانـي
عُمْرُ جُرحي .. مليونَ عامٍ
وعامٍ
هلْ تَرى الجُرحَ
من خِلال الدُخانِ؟
نَقَشَ الحـبُّ في دفاتـرِ قـلبـي
كُـلَّ أسمـائِهِ ... وما
سَـمَّـاني
قالَ : لا بُدَّ أن تَمـوتَ
شـهـيداً
مثلَ كُلِّ العشّـاقِ ، قلتُ
عَسَـاني
وطويـتُ الدُّجـى أُسـائلُ نفسي
أَبِسَيْفٍ .. أم وردةٍ قد رمـاني
؟
كيفَ يأتي الهوى،
ومن أينَ يأتي؟
يعـرفُ الحـبُّ دائماً عـنواني
صَدَقَ الموعدُ الجميلُ ..
أخيـراً
يا حبيبي ، ويا حَبيـبَ
البَيَـانِ
ما عَلَينـا إذا جَلَسْـنا
بـِرُكـنٍ
وَفَتَحْنـا حَـقائِـبَ
الأحـزانِ
وقـرأنـا أبـا العـلاءِ قـليـلاً
وقَـرَأنـا (رِسَـالةَ
الغُـفْـرانِ)
أنا في حضـرةِ العُصورِ جميعاً
فزمانُ الأديبِ .. كـلُّ الزّمانِ
..
*
ضوءُ عينَيْكَ .. أم حوارُ
المَـرايا
أم هُـما طائِـرانِ
يحتـرِقانِ ؟
هل عيـونُ الأديبِ نهورُ لهيبٍ
أم عيـونُ الأديبِ نَهرُ أغاني ؟
آهِ يا سـيّدي الذي جعلَ اللّيـلَ
نهاراً .. والأرضَ كالمهرجانِ ..
إرمِ نـظّارَتَيْـكَ كـي أتملّـى
كيف تبكي شـواطئُ المرجـانِ
إرمِ نظّارَتَيْكَ ... ما أنـتَ
أعمى
إنّمـا نحـنُ جـوقـةُ العميـانِ
*
أيّها الفارسُ الذي اقتحمَ
الشـمسَ
وألـقـى رِداءَهُ
الأُرجـوانـي
فَعلى الفجرِ موجةٌ مِـن صهيـلٍ
وعلى النجـمِ حافـرٌ لحصـانِ ..
أزْهَرَ البـرقُ في أنامِلكَ
الخمـسِ
وطارَتْ للغـربِ عُصفـورَتـانِ
إنّكَ النهـرُ .. كم سـقانا
كؤوسـاً
وكَسـانا بالـوردِ وَ
الأقـحُـوانِ
لم يَزَلْ ما كَتَبْتَهُ
يُسـكِـرُ الكـونَ
ويجـري كالشّهـدِ تحـتَ لساني
في كتابِ (الأيّامِ) نوعٌ منَ
الرّسمِ
وفـيهِ التـفـكيـرُ بالألـوانِ ..
إنَّ تلكَ الأوراقِ حقـلٌ من
القمحِ
فمِـنْ أيـنَ تبـدأُ
الشّـفـتـانِ؟
وحدُكَ المُبصرُ الذي كَشَفَ
النَّفْسَ
وأسْـرى في عُـتمـةِ الوجـدانِ
ليـسَ صـعباً لقـاؤنـا بإلـهٍ ..
بلْ لقاءُ الإنسـانِ ..
بالإنسـانِ ..
*
أيّها الأزْهَـرِيُّ ... يا سارقَ
النّارِ
ويـا كاسـراً حـدودَ الثـوانـي
عُـدْ إلينا .. فإنَّ عصـرَكَ
عصرٌ
ذهبـيٌّ .. ونحـنُ عصـرٌ ثاني
سَـقَطَ الفِكـرُ في النفاقِ
السياسيِّ
وصـارَ الأديـبُ
كالـبَهْـلَـوَانِ
يتعاطى التبخيرَ.. يحترفُ الرقصَ
ويـدعـو بالنّصـرِ للسّـلطانِ ..
عُـدْ إلينا .. فإنَّ مـا يُكتَبُ
اليومَ
صغيرُ الـرؤى .. صغيرُ المعاني
ذُبِحَ الشِّعـرُ .. والقصيدةُ
صارَتْ
قينـةً تُـشتَـرى كَكُـلِّ
القِيَـانِ
جَـرَّدوها من كلِّ شيءٍ ..
وأدمَوا
قَـدَمَيْهـا .. باللّـفِ
والـدّورانِ
لا تَسَـلْ عـن روائـعِ
المُـتنبّي
والشَريفِ الرّضـيِّ ، أو
حَسَّانِ ..
ما هوَ الشّعرُ ؟ لـن تُلاقي
مُجيباً
هـوَ بيـنَ الجنـونِ والهذيـانِ
*
عُـدْ إلينا ، يا سيّدي ، عُـدْ
إلينا
وانتَشِلنا من قبضـةِ الطـوفـانِ
أنتَ أرضعتَنـا حليـبَ التّحـدّي
فَطحَنَّـا الـنجـومَ بالأسـنانِ
..
واقـتَـلَعنـا جـلودَنـا
بيدَيْنـا
وفَـكَكْنـا حـجـارةَ الأكـوانِ
ورَفَضْنا كُلَّ
السّلاطينِ في الأرضِ
رَفـَضْنـا عـِبـادةَ
الأوثـانِ
أيّها الغاضبُ الكبيـرُ ..
تأمَّـلْ
كيفَ صارَ الكُتَّـابُ
كالخِرفـانِ
قَنعـوا بالحياةِ شَمسَاً ..
ومرعىً
و اطمَأنّـوا للمـاءِ و
الغُـدْرانِ
إنَّ أقسـى الأشياءِ للنفسِ
ظُلماً ..
قَلَمٌ في يَـدِ الجَبَـانِ
الجَبَـانِ ..
يا أميرَ الحُروفِ .. ها هيَ
مِصرٌ
وردةٌ تَسـتَحِمُّ في
شِـريـانـي
إنّني في حُمّى الحُسينِ، وفي
اللّيلِ
بقايـا من سـورةِ الـرّحمـنِ ..
تَسـتَبِدُّ الأحـزانُ بي ...
فأُنادي
آهِ يا مِصْـرُ مِـن بني قَحطـانِ
تاجروا فيكِ.. ساوَموكِ..
استَباحوكِ
وبَـاعُـوكِ كَـاذِبَاتِ
الأَمَـانِـي
حَبَسـوا الماءَ عن شـفاهِ
اليَتامى
وأراقـوهُ في شِـفاهِ الغَـوانـي
تَركوا السّـيفَ والحصانَ
حَزينَيْنِ
وباعـوا التاريـخَ
للشّـيطـانِ
يشترونَ القصورَ .. هل ثَمَّ
شـارٍ
لقبـورِ الأبطـالِ في الجَـولانِ
؟
يشـترونَ النساءَ .. هل ثَمَّ
شـارٍ
لدمـوعِ الأطـفالِ في بَيسـانِ ؟
يشترونَ الزوجاتِ باللحمِ والعظمِ
أيُشـرى الجـمـالُ بالميزانِ ؟
يشـترونَ الدُّنيا .. وأهـلُ
بلادي
ينكُشـونَ التُّـرابَ كالدّيـدانِ
...
آهِ يا مِصـرُ .. كَم تُعانينَ
مِنـهمْ
والكبيـرُ الكبيـرُ .. دوماً
يُعاني
لِمَنِ الأحمـرُ المُـراقُ
بسَـيناءَ
يُحاكي شـقـائـقَ النُعـمانِ ؟
أكَلَتْ مِصْـرُ كِبْدَها ..
وسِـواها
رَافِـلٌ بالحـريرِ والطيلَسَـانِ
..
يا هَوَانَ الهَوانِ.. هَلْ أصبحَ
النفطُ
لَـدَينا .. أَغْـلى من الإنسـانِ
؟
أيّها الغارقـونَ في نِـعَـمِ
اللهِ ..
ونُعـمَى المُرَبْرَباتِ
الحِسـانِ ...
قدْ رَدَدْنا جحافلَ الـرّومِ
عنكـمْ
ورَدَدْنا كِـسـرى أنـوشِـرْوانِ
وحَـمَيْنا مُحَـمَّـداً ..
وعَـلِيَّـاً
وحَـفَظْنـا كَـرامَـةَ القُـرآنِ
..
فادفعـوا جِـزيَةَ السّيوفِ
عليكُمْ
لا تعيـشُ السّـيوفُ بالإحسانِ ..
*
سامِحيني يا مِصرُ
إنْ جَمَحَ الشِّعرُ
فَطَعْمُ الحـريقِ تحـتَ لِسـاني
سامحيني .. فأنتِ أمُّ المروءَاتِ
وأمُّ السّماحِ والغُفرانِ ..
سامِحيني .. إذا احترَقتُ
وأحرَقْتُ
فليسَ الحِيادُ في إمكاني
مِصرُ .. يا مِصرُ .. إنَّ عِشقي
خَطيرٌ
فاغفري لي إذا أَضَعْتُ اتِّزاني
...