وفي حُرمة
منع العلم وكِتمانِه :
قال الله تبارك وتعالى
: وإذ أخذ الله ميثـق الذين أوتوا الكتاب لتُبينُـنَّـهُ للناس ولا
تكـتُمونهُ . وفي الحديث : ( ما آتى الله عالِماً عِلماً إلا وأخذ عليه
من الميثاق ما أخذ على النبيين أن يبينوه ولا يكتموه ) أخرجه الإمام
الزبـيدي في كتابه ( إتحاف السادة المتقين ) . فإذا سُئل العالم عن علمٍ
يـجب عليه تعليمه لم يسعه السكوت عن ذلك ، فمن امتنع من تعليم ما علمه الله
، وكتمَ البيان الذي أوجبه الله عليه ، فقد دخل في الوعيد الوارد في
الكتاب والسنة ، قال تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتابِ
ويشترونَ بهِ ثمناً قليلاً أولـئِك ما يأكلونَ في بُطونِهم إلا النارَ ولا
يكلمُهمُ اللهُ يومَ القيامةِ ولا يُزكيهم ولهم عذابٌ أليم ، وقال : (
من سُئلَ عن عِلمٍ فكتمهُ ألجمهُ الله بلجامٍ من نارٍ يوم القيامة ) أخرجه
أبو داوود والترمذي . وفي رواية : ( ما مِن رجلٍ يحفظُ عِلماً فيكتُمه إلا
أُتيَ بهِ يوم القيامة مُلجماً بلجامٍ من نار ) أخرجه ابن ماجه . وقال عليه
الصلاة والسلام : ( إذا ظهرت الفِتن وسُبَّ أصحابي فليُظهِر العالِم علمهُ
، ومن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين , لا يقبل الله
منه
صِرفاً ولا عدلاً ) أخرجه الخطيب البغدادي في ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب
السامع ) . ذكره سيدنا الإمام الحداد في كتابه ( الدعوة التامة )
ومِن كلامِ الإمام عبد الله بن حسين بن طاهر نفع الله به : إن احتكار العلم
أشدُ من احتكار الطعام . وقال الإمام أحمد بن عمر بن سميط نفع الله به :
انظروا التشديدات الواردة في احتكار الطعام ، وليس نفعُ الطعام كنفع العلم ،
أنا أريد كُلاً يُعلِّم بالذي يَعرِفُه وإن قلَّ عِلمه . وقال شيخ الإسلام
زكريا الأنصاري رحمه الله : إياك أن تكتمَ العلمَ عن عدوَّك ، فإن الشرع
حقيقة إنما هوَ للهِ ولِرسولِه ، ومِن شرط كلِّ مُحبٍ للهِ ولِرسولهِ أن
يُحبَّ نشرَ ما شرعه الله ورسولُهُ في جميع الخلق ، سواءً أكانوا أصدقاء أم
أعداء . وعن سفيان الثوري رحمه الله تعالى قال : من بَخلَ بالعِلمِ
ابتُليَ بإحدى ثلاث : أن ينساه ، أو يموت ولا ينتفع به ، أو تذهبُ كتبه .
انتهى من مقدمة ( شرح المُهذب ) . وقال الشيخ الإمام أحمد بن حسن العـطاس
اثنان في الدنيا إذا ماتا فهما كالميتة التي لم تُذكَّ : الغني الذي
وسَّعَ الله عليه وبسط رزقه ولم يتصدق في وجوه الخير ، والعالم الذي لم
ينـفع الناس بعلمه .
وقال الإمام النووي رحمه الله : قال العلماء : ولا يَمتنِع من تعليم أحدٍ
لكونهِ غير صحيح النية ، فقد قال سفيان الثوري وغيره : طلبُهم للعِلمِ نية
وقالوا : طلبنا العلم لغيرِ الله فأبى أن يكونَ إلا لله ، معناه ( كانت
غايته أن صار لله تعالى ) .
قال الإمام السيوطي رحمه الله في ( الإتقان ) : وأما أخذ الأجرة على
التعليم فجائز , ففي البخاري ( إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتابُ الله ) .
والتَّـعليم على ثلاثة أوجه : أحدها : للحِسبةِ ولا يأخذ بهِ عِوضاً ، فهو
مأجور وعليه عملُ الأنبياء ، الثاني : أن يُعلِّم بالأُجرة ، وهذا مُختلَف
فيه والأرجح الجواز ، والثالث : أن يُعلِّم بغيرِ شرط ، فإذا أُهديَ إليه
قَبِل ، فهذا يَـجوز إجماعاً ؛ لأن النبي كان مُعلماً للخلق وكان يقبلُ
الهدية .
تنبيه : لا يـحلُّ للعالِمٍ أن يذكرَ مسألةً لمن يَعلمُ أنه يقع بمعرِفتِها
في تساهلِ في الدين ووقوعٍ في مفسدة ، إذ العِلمُ إما نافِع : كالواجبات
العينية يجب ذكره لكل أحد ، أو ضار : كالحيلِ المُسقطة للزكاة ، وكلُّ ما
يوافِق الهوى ويجلِبُ حُطام الدنيا
لا يجوز ذِكرُه لمن يُعلمُ أنه يَعمل به أو يُعلِّمُه من يعملُ به ، أو فيه
ضررٌ ونفع فإن ترجَّحت منافعه ذكَره وإلا فلا . انتهى من ( بغية
المسترشدين ) للإمام العلامة السيد عبد الرحمن المشهور .