هكذا كانت همم أسلافنا يا طالبة العلم
هي همم لا كالهمم ، نعرض نماذج منها لمن تسمو نفوسهم
نحو القمم
هذا ابن عباس
حبر الأمة ، و بحر الشريعة ، و ترجمان القرآن ،
جَدَّ في طلب العلم , و حرص عليه غاية الحرص
, و بلغ النهاية في فهم الوحي ، و تصدر
لتعليم الناس ، فكان عجباً في حفظه ، و فهمه و
بيانه و كرمه و سخائه ، حتى صار إماماً للناس لما صبر
و جاهد و علَّم و تعلَّم .
و هذا معاذ بن جبل :
إمام العلماء طلب العلم من معلم الخير صلى الله عليه و
سلم ، و عمل بما علَّمه الله ، فكان مثل العالم
العامل المنيب المخبت الزاهد العابد ، و دعا إلى الله و علم عباده ، و جاهد في سبيله ، و أمر بالمعروف ، و نهى عن المنكر ، مع فقه عميق و خلق كريم
، و رفق بالناس ، و سخاء بذات يده .
و أبو هريرة :
سيد الحفاظ ، جمع الحديث
حفظاً ، و بلَّغه الأمة صدقاً ، فكان الحافظ
الأمين حقاً ، قسَّم ليله للعبادة و تذكُّرِ الحديث و النوم ، اشتغل بتعليم
الناس مع الفتيا و الوعظ و الجهاد و التعليم ، و ما ذاك إلا لسموِّ همته ، و
مضاء عزيمته ، و قوة نفسه .
و هذا خالد بن الوليد سيف الله المسلول ،
كتب اسمه في سجل الخالدين
بحروف من النور ، و خلد ذكره في ديوان الفاتحين
بأسطر من ضياء ، نصر الإسلام بسيفه ، و
خاض غمار المعارك ، يعرض نفسه الأخطار ، و
يقدم روحه في راحته ، مستهيناً بالمصاعب ، حتى صار مضرب المثل في الفداء و
التضحية و سمو القدر و جلالة المنزلة و
ارتفاع المحل .
و سعيد بن المسيب
سيد التابعين ، ما فاتته
تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة ، و كان
يمضي ثلاثة أيام مسافراً في طلب الحديث الواحد ،
و غالب جلوسه في المسجد ، و كان مرجع الناس في الفتيا و تعبير الرؤيا ، مع
قيام الليل ، و القوة في ذات الله ، و الغيرة على
محارم الله ، و الصدق و الزهد و الإنابة ، و السخاء و الهيبة و العلم الراسخ .
و عطاء بن أبي رباح ،
المولى الأسود ، رفعه الله
بالعلم ، مكث في الحرم ثلاثين سنة يطلب العلم ،
ثم صار مفتي الناس مع تقشفه ، و إخلاصه و ورعه ،
و تبحره و إتقانه في الرواية ، و فقهه في الدراية ،
فصار إماماً للناس .
و الحسن البصري
المولى ، جاهد في طلب العلم و
معرفة السنة ، و الصبر على الاشتغال بالأثر ، مع ما رُزِقَه من
فصاحة و رجاحة و ملاحة ، فصار كلامه دواء للقلوب ، و
وعظه حياة للنفوس ، و هو في ذلك واحد الناس زهداً
و تواضعاً و إنابة و خشية و ورعاً و استقامة ، حتى رفعه الله في
المحل الأسمى ، و بوّأه المكان الأعلى .
و الزهري محمد بن شهاب
حافظ السنَّة ، و
إمام الناس في الحديث ، طلب العلم مع الفقر و الحاجة ، و صبر و ثابر و ارتحل إلى العلماء ، و اعتنى
بالحديث ، فصار أحفظ أهل زمانه ، مع فقه و
دراية و سخاء حاتمي و كرم سارت به الركبان ، فاستحق أن يكون اسمه في
دواوين السنة مرموقاً ، و في القلوب منقوشاً .
و عامر الشعبي ،
الإمام الجامع للعلوم ، كان قديم
السلم ، وافر الحلم ، كثير العلم ، تبحر
في السنة ، و برع في الأدب ، مع ذهن وقاد ، و قلب ذكي ، و فهم ثاقب ، حتى صار رسول خليفة عبد
الملك إلى ملك الروم لعلمه و فهمه و بديهته ، و
فصاحته و نبله ، و قوة شخصيته ، و هو الذي يقول : "
ما كتبت سوداء في بيضاء و ما استودعت قلبي شيئاً فخانني " أي ما نسي
علماً ، و يقول: " لو أنشدتكم شهراً كاملاً شعراً ما أعدت بيتاً " ، من غزارة حفظه .[/]