عقد يهود بني النضير على الانتقام من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
الذين أخرجوهم من ديارهم من المدينة ، وجعلوا همهم على أن يجعلوا جبهة
قوية تتصدى أمام الرسول وأصحابه .
انطلق زعماء بني النضير إلى قريش يدعوهم إلى محاربة المسلمين ، فنجحوا
في عقد اتفاق بينهما . ولم يكتف بنو النضير بتلك الاتفاقية ، وإنما
انطلقوا أيضا إلى بني غطفان يرغبوهم في الانضمام إليهم وإلى قريش ،
وأغروهم بثمار السنة من نخيل خيبر إذا تم النصر بنجاح .
وهكذا انطلق جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل يقودهم أبو سفيان بن حرب ، وذلك
في السنة الخامسة من الهجرة من شهر شوال .
لما علم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالأمر ، استشار أصحابه
وقادته في الحرب ، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق في مشارف
المدينة ، فاستحسن الرسول والصحابة رأيه ، وعملوا به . كما أن يهود بني
قريظة مدوا لهم يد المساعدة من معاول ومكاتل بموجب العهد المكتوب بين
الطرفين .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتفقدون سير العمل ، فوجدوا
صخرة كبيرة كانت عائقا أمام سلمان الفارسي ، حيث كسرت المعاول الحديدية
، فتقدم الرسول الكريم من الصخرة وقال : " باسم الله " فضربها فتصدعت
وبرقت منها برقة مضيئة
فقال : " الله أكبر .. قصور الشام ورب الكعبة " ثم ضرب ضربة أخرى ،
فبرقت ثانية ، فقال : " الله أكبر .. قصور فارس ورب الكعبة " . واستطاع
المسلمون إنهاء حفر الخندق بعد مدة دامت شهرا من البرد وشظف العيش .
بدت طلائع جيوش المشركين مقبلة على المدينة من جهة جبل أحد ، ولكنهم
فوجئوا بوجود الخندق ، حيث أنهم ما كانوا متوقعين هذه المفاجأة .
لم يجد المشركون سبيلا للدخول إلى المدينة ، وبقوا ينتظرون أياما
وليالي يقابلون المسلمين من غير تحرك ، حتى جاء حيي بن أخطب الذي تسلل
إلى بني قريظة ، وأقنعهم بفسخ الاتفاقية بين بني قريظة والمسلمين ،
ولما علم الرسول عليه الصلاة والسلام بالأمر أرسل بعض أصحابه ليتأكد من
صحة ما قيل ، فوجده صحيحا . وهكذا أحيط المسلمون بالمشركين من كل حدب
وصوب ، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم ييأسوا من روح
الله ، لأنهم كانوا على يقين بأن عين الله ترعاهم .
استطاع عكرمة بن أبي جهل وعدد من المشركين التسلل إلى داخل المدينة ،
إلا أن عليا كان لهم بالمرصاد ، فقُتل من قُتل ، وهرب من هرب ، وكان من
جملة الهاربين عكرمة .
وأخيرا ، جاء نصر الله للمؤمنين . فقد تفككت روابط جيش المشركين ،
وانعدمت الثقة بين أطراف القبائل ، كما أرسل الله ريحا شديدة قلعت
خيامهم ، وجرفت مؤنهم ، وأطفأت نيرانهم ، فدب الهلع في نفوس المشركين ،
وفروا هاربين إلى مكة .
وحين أشرق
الصبح ، لم يجد المسلمون أحدا من جيوش العدو الحاشدة ، فازدادوا إيمانا
، وازداد توكلهم على الله الذي لا ينسى عباده المؤمنين .
وهكذا ، لم تكن غزوة الأحزاب هذه معركة ميدانية وساحة حرب فعلية ، بل
كانت معركة أعصاب وامتحان نفوس واختبار قلوب ، ولذلك أخفق المنافقون
ونجح المؤمنون في هذا الابتلاء . ونزل قول الله تعالى : (( من المؤمنين
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و
ما بدلوا تبديلاً ليجزي الله الصادقين بصدقهم و يعذب المنافقين إن شاء
أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيماً و ردّ الله الذين كفروا
بغيظهم لم ينالوا خيراً و كفى الله المؤمنين القتال و كان الله قوياً
عزيزاً و أنزل الله الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم و قذف في
قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون و تأسرون فريقاً ))