ما كاد رسول الله عليه وسلم يعود من صلح الحديبية ، ويستريح بالمدينة
شهراً من الزمن حتى أمر بالخروج إلى خيبر . فقد كان يهود خيبر يعادون
المسلمين وقد بذلوا جهدهم في جمع الأحزاب في غزوة الخندق لمحاربة
المسلمين .
وخرج رسول الله عليه الصلاة والسلام في مطلع العام السابع الهجري في
جيش تعداده ألف وستمائة رجلٍ . وكانت خيبر محصنةً تحصيناً قوياً فيها
ثمانية حصونٍ منفصلٌ بعضها عن بعض .وكان يهود خيبر من أشد الطوائف
اليهودية بأساً وأكثرها وأوفرها سلاحاً .
والتقى الجمعان واقتتلوا قتالاً شديداً . واليهود يستميتون في الدفاع
عنها . واستمر التراشق بينهم ست ليالٍ .
وفي الليلة السابعة وجد عمر بن الخطاب يهودياً خارجاً من الحصون فأسره
وأتى به الرسول عليه الصلاة والسلام . فقال اليهودي : إن أمنتموني على
نفسي أدلكم على أمرٍ منه نجاحكم. فقالوا : قد أمناك فما هو ؟ فقال
الرجل : إن أهل هذا الحصد قد أدركهم اليأس وسيخرجون غداً لقتالكم .
فإذا فتح عليكم هذا الحصد فسألوكم على بيت فيه منجنيق ودروع وسيوف يسهل
عليكم بها فتح بقية الحصون. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه يحب الله ورسوله ويحبه الله
ورسوله ))
فبات الناس ليلتهم كل منهم يتمنى أن يعطاها . فلما أصبح الصباح قال : "
أين علي بن أبي طالب " ؟ فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه . فدعاه
، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ بإذن الله
، فأعطاه الراية وقال له : " والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك
من حمر النعم " .
ولما ذهب علي بن أبي طالب إليهم خرج مرحب اليهودي يختال في سلاحه فقتله
. وأحاط المسلين بالحصون ، وحمل المسلمون عليهم حملة صادقة . فسقطت
حصونهم حصنا بعد حصن . واستولى اليأس على اليهود وطلبوا من النبي صلى
الله عليه وسلم الصلح على أن يحقن دماءهم ، فقبل الرسول عليه الصلاة
والسلام ، وصارت أرضهم لله ولرسوله وللمسلمين .
وهكذا استولى المسلمون على خيبر ، وغنموا منها العديد من السلاح
والمتاع .
وقد قتل من اليهود في هذه الغزوة ثلاثة وتسعون رجلا واستشهد من
المسلمين خمسة عشر رجلا .
وكان من بين ما غنم المسلمون منهم عدة صحف من التوراة ، فطلب اليهود
ردها فردها المسلمون إليهم . ولم يصنع الرسول عليه الصلاة والسلام ما
صنع الرومان حينما فتحوا أورشليم وأحرقوا الكتب المقدسة فيها ، وداسوها
بأرجلهم ، ولا ما صنع التتار حين أحرقوا الكتب في بغداد وغيرها .