حقوق المرأة.. أضرت عزاب المغرب
لا أحد من المبتهجين لهذه التعديلات التي صانت بعضا من حقوق المرأة المغربية كان يظن أن سوء فهم بعض بنودها سيدفع بآلاف الشباب إلى تأجيل الإقبال على الزواج إلى أجل غير مسمى.
بالقدر الذي سُرّت فيه فعاليات المجتمع والنساء المغربيات للتعديلات التي جاءت بها مدونة الأسرة فور صدورها في صيغتها الجديدة، 5 فبراير 2004، واعتبرت في مجملها "مهمة في سبيل الإقرار النسبي للمساواة بين الجنسين ونقلة نوعية في تاريخ الأحوال الشخصية بهذا البلد" -حملت بين طياتها نقما "زادت من استفحال معدلات العزوبية، بشكل مخيف".
ذلك ما أكدته بعض الدراسات التي أجرتها منظمات نسائية حول الظاهرة التي تتلون أسباب تفشيها باختلاف أوضاع وظروف العازفين عن الزواج بالرغم من بلوغهم سنه القانونية.
زواج المصلحة
في الوقت الذي صفقت الحركة النسائية بالمغرب وأشادت بتوحيد السن القانونية للزواج وتحديدها في مدونة الأسرة الجديدة بـ 18 عاما بالنسبة للجنسين معا مع وجود إمكانية لتخفيضه في الحالات المبررة بهدف ضمان تلاحم الأسر واستمرارية استقرارها، اعتبر البعض هذا الإجراء "عاملا مشجعا على رفع نسبة العزوبية في المجتمع المغربي".
أقرت ذلك نتائج الدراسة التي أجرتها المنظمة المغربية لإنصاف المرأة فور صدور المدونة، والتي شملت 1212 شابا تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما من جميع أنحاء المغرب، حيث أكد21,20 % منهم أن عدم إقبالهم على الزواج "راجع إلى صدور مدونة الأسرة".
كما أفاد 68,8% من الشباب الذين شملتهم الدراسة التي تعتبر الأولى من نوعها بالمغرب، أنهم ضد "زواج المصلحة" الذي يرى بعض الشباب أن المدونة كرسته بـ"إقرار استفادة الزوجة من نسبة مهمة من ثروة ومدخرات وأملاك الزوج".
يذكر أن غياب التفسير الواضح، والفهم الخاطئ للتعديلات الأخيرة التي شملت مدونة الأسرة المغربية، خاصة الفصل 49 منها المحدد لشروط اقتسام الثروة بين الزوجين، دفع بعض الشباب إلى تأجيل زواجهم خوفا من "اقتسام ما يملكونه مع الزوجة بعد شقاء السنين في حالة حدوث الطلاق".
الإمكانيات المادية
في هذا الإطار قالت حياة بوفراشن المنسقة الوطنية للمنظمة، في أثناء استعراضها لنتائج هذه الدراسة المنجزة بشراكة مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو): إن 42% من المستجوبين برروا عزوبيتهم بـ"عدم وجود الشريكة المناسبة" في زمن طغى فيه التفسخ الأخلاقي على العلاقات الزوجية العفيفة.
ويبقى عدم التوفر على الإمكانيات المادية سبب مباشر في عدم إقبال 73,38% ممن شملتهم الدراسة التي استغرقت ثلاثة أشهر، على الزواج. ويتخوف 32% من الشباب من المسئوليات التي يطرحها الزواج أمامهم خاصة أمام ارتفاع تكاليف العيش. وشكل عدم الارتياح للوضعية الحالية في العمل، سببا رئيسيا في عزوف 45% آخرين عن الإقبال على بناء "عش زوجي سعيد".
كل ذلك وغيره وأمام سهولة حصول الرجل المغربي على كل شهواته الجسدية من المرأة خارج إطار الشرعية الزوجية، ساهم بشكل كبير في تأخر سن الزواج الأول لدى الرجال. ويبلغ معدل سن الزواج حاليا 31,1 سنة مقابل 30 سنة في عام 1994.
اعترف أحمد لحليمي المندوب السامي للتخطيط هو الآخر بتنامي ظاهرة عزوبية الشباب المغربي خلال ندوة نظمت أخيرا في مدينة مراكش جنوب المغرب. والذي تؤكده نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي أنجزته وزارته في سبتمبر 2005، وأكد أن نسبة العزاب والعازبات في الفئات العمرية من 15 إلى 24 عاما "أصبحت تناهز 100%".
الحرية الجنسية
عرفت أيضا أنماط العيش لدى الأجيال الصاعدة من المغاربة، تحولات جذرية خلال العقود الأخيرة طالت العديد من مظاهر الموروث الثقافي بينها مؤسسة الزواج. وساهمت النظرة الارتيابية للزواج وتقليد الشباب المغربي لبعض أوجه الانحلال في الحضارات الغربية، في انتشار التفسخ الأخلاقي أو ما يسمى بـ"الحرية الجنسية" التي زادت من فقدان الثقة في الطرف الآخر.
هذه العوامل مجتمعة وغيرها، ساهمت في انهيار مجموعة من القيم الأخلاقية التي ظلت تحول دون انتشار كل تلك العلاقات العابرة أو "الغارقة في الليبرالية" وفي "التقليل من أهمية الاستقرار والالتزام العاطفيين"، والتي تدفع المرأة بالخصوص ثمنها غاليا من جسدها وتزيد في فقدان الثقة فيها وفي شرفها وكرامتها وسمعتها داخل المجتمع.
يقول علي 43 سنة: "أفضل التريث في اتخاذ قرار الزواج على أن أعيش مع فتاة لها ماض أسود أو أن أتزوج زواجا تقليديا للهرب من لقب عازب، وقد تكون الطامة الكبرى إن اكتشفت ما قد يجعلني أندم على قراري طيلة حياتي. أريد الزواج عن اقتناع ودون خوف من إمكانية الفشل أو عدم الانسجام مع الطرف الآخر، ولا أريد الزواج لأجل الزواج فقط وعيش حياة دون معنى".
ولا تشجع مجموعة من الشروط الشباب المغربي على الإقبال على الزواج برغم رغبته الملحة فيه اعتبارا لكونه "رباطا مقدسا"، بينها "عدم اكتراث أسر الفتيات المرشحات للزواج بوضعية الآخر وإكثارها في الطلبات والشروط دون رفق بحالته المادية ووضعيته الاجتماعية، وكأن الفقراء ومتوسطي الدخل لا حق لهم في الزواج الذي كان في السابق يتم عن تعارف أسري أو صلة قرابة".
ويعتبر بعض الشباب ممن تأخر زواجهم لسبب من الأسباب، هذه العلاقة الإنسانية الأبدية "مجرد مشاكل وأعباء غير منتهية يصعب دخول مغامرتها خاصة في حال عدم تأمين المستقبل". ولا يتوانون في إعلان عدم استعدادهم لتحمل تبعاته علنا، وتأجيل الزواج مرة تلو الأخرى إلى أن "يُحيّن الله".
وذاك رأي عبد العزيز 32 سنة، الذي يرى أن اختيار زوجة موظفة بالنسبة للمقبلين على الزواج "أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه الإنسان بالنظر إلى أنه سيعيش دوما عبدا لراتبها". ويؤكد أن الزواج "مسئولية" والزوج "ملزم بالنفقة في وقت تملصت فيه الأسر حتى في العالم القروي من مسئوليتها في التكفل بمصاريف أسرة الابن المتزوج".
البطالة العدو اللدود
أجمعت شهادات عزاب ومحللين وباحثين اجتماعيين مغاربة، على أن الشباب المغربي يعيش اليوم "وضعية تأجيل للدخول في قفص الزوجية وليس عزوفا نهائيا عنه". وأكدت أن ذلك مرتبط بعوامل موضوعية لها صلة مباشرة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ونمط الحياة الحديث الذي فتح مجالات أوسع للاختلاط بين الجنسين والعلاقات الجنسية خارج عش الزوجية.
يقول سعيد بقلول 39 عاما، عازب: "العزوبية ظاهرة تقض مضجع فئة عريضة من الشباب وتؤرق بالهم. وهي لم تعد اختيارا شخصيا للفرد، بل تفرضها عوامل اجتماعية واقتصادية مرتبطة بواقع البطالة التي طالت حتى خريجي الجامعات والمدارس العليا التي لم تعد تفرخ سوى العاطلين. هذا الواقع يجعل ملايين الشباب في بحث يومي مضن عن لقمة العيش أولا وضمان دخل ثابت يمكن به تدبير مشروع تكوين أسرة".
وعادة ما يرجئ الشباب العاطل المشحون برصيد مهم من المعرفة، فكرة الزواج إلى حين الحصول على عمل تلافيا لـ"توريط نفسه ورهن مصير أبرياء يمكن أن يكونوا ضحايا زواج بدون موارد مالية، حيث الدخول في دوامة المشاكل اليومية التي لا تنتهي عادة إلا بفك عش الزوجية وإعلان الطلاق الذي أضحى يضرب أرقاما قياسية في البلد".
الزواج الأبيض
ويرى عبد العزيز العتيقي أستاذ بجامعة محمد بن عبد الله بمدينة فاس، أن "الشباب يفضل في الوقت الراهن متابعة دراسته إلى حين الحصول على شهادات جامعية تفتح له باب العمل الذي لم يعد مضمونا بشكل مطلق. وهذا يجعل تفكيره في تكوين أسرة يتأجل لعدة سنوات عكس ما كان معروفا في فترات سابقة خاصة في القرى حيث الإقبال على الزواج في سن مبكرة".
وبرأيه ورأي العديد من الباحثين، فطول فترة الدراسة والبحث المضني عن الشغل والسعي وراء ضمان الاستقلال المادي عن الأسرة وعدم توفر الوضعية الاجتماعية والاقتصادية المستقرة والواضحة الآفاق، "ساهم في ارتفاع معدلات العزوبية" و"يزيد من تخوف الشباب من دخول مغامرة الزواج".
ويستنزف الحصول على شهادة ليسانس من عمر الشاب أكثر من 30 عاما، يضاف إليها سنوات البحث عن مورد للعيش واسترداد الديون بعد الحصول على شغل، مما يجعل أي فكرة للزواج لا تتولد لديه إلا بدخول 40 عاما إن أتيحت له الظروف بدخول مغامرته.
هذا الواقع شجع العشرات من الشباب المغربي ممن أعمته البطالة والفقر عن كل شيء بما فيها تقاليد وعادات البلد وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، على الارتماء في أحضان قوارب الموت أو البحث في الشبكة العنكبوتية عن نساء ولو مسنات لتنفيذ "زواج أبيض" ينتهي بمجرد الوصول إلى "الأرض الموعودة" حيث التيه والمستقبل "غير المأمون".
وهذا ما ساعد بعض الأجانب على خلق وكالات خاصة "للزواج" مفتوحة في وجه النساء والرجال، لكن سرعان ما اتضح أنها "مجرد عملية للنصب والاحتيال على الشباب باسم نعيم الزواج من نساء أوروبا وأمريكا".