الفيسبوك.. ابتكار لا يخلو من مضار حقائق وأرقام
استنتاجات وتحذيرات كثيرة
هي الاختراعات التي قدمت للبشرية الخير الكثير, لكنها حملت في انعكاساتها
السلبية مضارَّ عند استخدامها على نطاق واسع، من أمثلة ذلك اختراع غاز
الفيريون الذي يستخدم بشكل واسع في الأجهزة الكهربائية خصوصا أجهزة
التكييف التي توفر لنا أجواء مريحة, لكن بعض علماء البيئة يعدونه السبب
الرئيسي وراء ثقب الأوزون الذي نتج عنه العديد من المشاكل المناخية
والبيئية التي يعاني منها كوكبنا في الوقت الحاضر.
وبالإضافة
إلى غاز الفيريون يوجد الكثير من الاكتشافات التي صنفت على أنها ضارة جدا
بالإنسان والبيئة كمادة "تي أن تي" والصواريخ والهندسة الوراثية للنبات
والحيوان وغيرها كثير.
تحمس البعض لمثل هذه
الاختراعات وتلقفها أصحاب الشركات الكبرى وأصحاب النفوذ لاستغلالها لجني
ثروة هنا أو مجد هناك، كما أن الكثير من العلماء والمثقفين أثنوا على
الدور التي ستسهم به هذه الاختراعات في تطوير المجتمع وتحسين أسلوب حياة
البشر. لكن عند انكشاف الحقائق وبيان الضرر لمثل هذه الاختراعات، حاربها
الجميع وطالبوا بمنعها أو على الأقل مقاطعتها!
لا
أجد مانعا من القول إن هذه القاعدة تنطبق على عدد كبير من خدمات التواصل
الإلكتروني المتوفرة حاليا عبر الإنترنت خاصة موقع الفيسبوك. صحيح أن هذا
الموقع قدم بلا شك نموذجا متطورا للتواصل الاجتماعي بين البشر عبر الشبكة
العنكبوتية، لكن بعد أن انكشفت إمكانيات هذا النموذج تبين وبشكل واضح حجم
الضرر الذي يمكن أن يلحقه بمستخدميه وبالمجتمع كله بعد أن تحول عدد كبير
إلى استخدام هذه الوسيلة الجديدة رغم مضارها.
حقائق وأرقام
ولكي نقف على إمكانيات هذه الوسيلة ومميزاتها نورد بعض الحقائق والأرقام المتعلقة بها:
•
تأسس موقع الفيسبوك سنة 2004 بأموال دفعها عدد من المستثمرين الذين تربط
بعضهم علاقة وثيقة بمؤسسات تتمتع بنفوذ كبير في الولايات المتحدة
الأميركية.
• يبلغ عدد مستخدمي الفيسبوك حوالي 400 مليون شخص، وحوالي نصف المستخدمين تتراوح أعمارهم بين 13 و25 عاما.
• للاشتراك في الفيسبوك يجب أن توافق على شروط استخدام الموقع كما يجب أن يكون عمرك أكثر من 13 عاما.
•
تتضمن شروط استخدام الموقع بنودا تتعلق بخصوصية معلومات المشتركين
ومشاركاتهم، وتعطي هذه البنود لموقع الفيسبوك الحق في الاطلاع على هذه
المعلومات والمشاركات وإعادة استخدامها بالكيفية التي يراها الموقع.
• يستطيع أي شخص يستخدم الفيسبوك نشر أية معلومة أو ملف صوت أو صورة تتعلق بالمستخدم مباشرة أو بأصدقائه أو بأي شخص آخر.
•
لا يوفر الفيسبوك أية آلية للتأكد من شخصية المستخدمين أو من أعمارهم إذ
يمكن لأي شخص أن يضع الاسم والمعلومات التي يريدها كما يمكن أن يقرر السن
التي يفضلها.
• كما لا توجد في الفيسبوك
آلية واضحة تحدد الكيفية التي يستطيع من خلالها بعض مستخدمي الفيسبوك ومن
ضمنهم غير الأصدقاء الولوج إلى معلومات ومشاركات أي شخص والاطلاع عليها.
استنتاجات وتحذيرات وعند التدقيق في المعلومات أعلاه يمكن استنتاج بعض الملاحظات وتقديم بعض التحذيرات لتجنب المضار المتوقعة:
أولا:
عدم وضوح آلية تمويل موقع الفيسبوك يثير الكثير من الشكوك حول الأهداف
الحقيقية التي وجد من أجلها، إذ يرى الكثير من المحللين أن الموقع يوفر
إمكانية كبيرة للتجسس على مستخدميه وبناء قاعدة بيانات هائلة ومليئة
بالتفاصيل عن ميول مستخدمي الموقع ومعتقداتهم، كما يمكن التنبؤ بما يرغبون
فيه وما يكرهونه وغير ذلك كثير.
إذ توفر
تقنية الاتصال في هذه الأيام إمكانيات هائلة في جمع وتحليل البيانات
واستنباط أنماط سلوكية أو فكرية معينة تتعلق بأصحاب البيانات المسجلة،
وعلى سبيل المثال لو افترضنا أن الأنماط المراد قياسها هي: معتدل،
ليبرالي، متشدد، عنصري، وغيرها، فمن الممكن أن يتم تحليل معلومات
المشتركين في الفيسبوك ومن ثم تصنيفهم بحسب الأنماط المذكورة سابقا. هذا
فضلا عن قياس أنماط أخرى قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو
مختلطة.
ثانيا: يجب أن يدرك القارئ أن
الخصوصية الشخصية ستكون معدومة عند استخدام موقع الفيسبوك، إذ بمجرد
موافقتك على شروط استخدام الموقع –وهو متطلب إجباري لقبول الاشتراك- فإنك
تعطي الحق لموقع الفيسبوك أن يطلع على معلوماتك الشخصية ومشاركاتك في أي
وقت ووفق الآلية التي يراها مناسبة، فعلى سبيل المثال يستطيع الموقع أن
يقوم بإجراء تحليل معين وتحديد فئة من المشتركين المتفقين على موضوع معين
قد يكون رغبة في سلعة تجارية، أو موقفا سياسيا معينا، ومن ثم يقوم الموقع
بإرسال معلومات هذه الفئة من المشتركين للجهة المهتمة التي قد تكون شركة
تجارية أو هيئة أمنية.
ثالثا: لا توجد في
موقع الفيسبوك أي آلية للتأكد من شخصية المشتركين، وهذه الثغرة تتيح
المجال لأي شخص أن ينتحل الشخصية التي يريد، فلا يوجد ما يمنع من أن ينتحل
شخص في عقده الخامس مثلا شخصية طفل عمرة ثلاثة عشر عاما ثم يقوم بالتواصل
مع أطفال آخرين بهدف التحرش بهم جنسيا أو استغلالهم بمختلف الطرق، وكثيرة
هي الحوادث المشابهة التي حصلت بالفعل والتي لا مجال لذكرها هنا. ولنفس
الثغرة نجد الكثير من الأطفال دون سن الثالثة عشرة الذين يتعمدون تكبير
أعمارهم للاشتراك بموقع الفيسبوك ومن ثم يطلعون على الكثير من المواد غير
المناسبة لسنهم، وهؤلاء يكونون فريسة سهلة للاستغلال والتشويه الفكري من
قبل الكثيرين.
رابعا: أدرك الكثير من مزودي
خدمات الإنترنت ضرورة توفير أدوات رقابة تتيح تصنيف المواد المتوفرة من
خلال خدماتهم إلى ضار وغير ضار ومن ثم تحديد ولوج الأشخاص إلى المواد غير
الضارة فقط. مثل هذه الأدوات تتوفر في الكثير من محركات البحث، لكنها لا
تتوفر في موقع الفيسبوك!
هذه الثغرة تجعل
من المستحيل التحكم فيما يرسل من مشاركات أو ما يمكن الولوج له من مدخلات
أو صفحات تتوفر على موقع الفيسبوك، أذكر على سبيل المثال وجود صفحات على
الفيسبوك تتعرض للذات الإلهية بالباطل والبهتان، كما أن هناك الكثير من
الصفحات الأخرى التي تتعرض لشخصيات دينية أو ثقافية مرموقة بالقدح والذم.
وبالتالي
ينبغي على الجميع ضرورة فهم الثغرات الموجودة في موقع الفيسبوك والمواقع
المشابهة له والتعامل معها بجدية. فقد لا يشعر الكثير من الناس بالضرر من
مثل هذه المواقع في الوقت الحالي وذلك لحداثة إنشائها واستخدامها، ولقلة
الأبحاث بشأنها، لكن من المؤكد أن عدم التنبه لمثل هذه الأضرار الآن قد
يأتي بعواقب كثيرة لا تحمد عقباها لاحقا.
كما
أتمنى أن يوفر ما سلف ذكره –على قلته- منطلقا للمتخصصين في علوم الاجتماع
والنفس والسياسة لإجراء أبحاث مفصلة تدرس ظاهرة الفيسبوك وأثرها على
الأسرة والمجتمع العربي وتقترح الطرق الأنجع للتعامل معها.
ونصيحة
أخيرة لكل ولي أمر أن يتأكد من أن أطفاله دون الثالثة عشر لا يستخدمون
الفيسبوك، مع العلم بأن هذه السن التي تم تحديدها من قبل موقع الفيسبوك
ليست بالضرورة السن المناسبة لاستخدامه!