علم الجبر ابتدعه وأسَّسه العالِم
الإسلامي الكبير الخُوَارزمي (ت 232هـ/ 846م)، وقد ابتكره ليحلَّ به بعض
المسائل الصعبة في قضايا الميراث، ووضع له من الأصول والقواعد ما جعله
علمًا مستقلاًّ عن الهندسة وبقيَّة أنواع الرياضيات.
فالخُوَارزمي أوَّل مَن استعمل كلمة (جبر) للعلم المعروف الآن بهذا الاسم،
وقد أخذه الأوربيون عنه، فحتَّى الآن ما زال الجبر يُعرف باسمه العربي في
جميع اللغات الأوربية، فهو في الإنجليزية (algebra)، وفي الفرنسية
(Algèbre)، وهكذا. وتَرجِع كل الكلمات التي تنتهي في اللغات الأوربية بـ
(algorism/algorithme) إلى اسم الخوارزمي، كما يرجع إليه الفضل في تعريف
الناس بالأرقام العربية؛ ولهذا كان الخوارزمي أهلاً لتسميته بأبي الجبر[1].
كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي
يُعَدُّ كتاب الخوارزمي (الجبر والمقابلة) الكتاب الرئيس ذا الأثر الحاسم
الذي دَرَس فيه تحويل المعادلات وحلِّها، وفي مقدِّمته بيَّن كيف أن
الخليفة المأمون هو الذي طلب منه تأليفه، وقد ترجمه إلى اللاتينيَّة
(جيررْدو دي كريمونا)، ونشر النصَّ العربي روزن مع ترجمة إنجليزية في لندن
سنة 1851م.
وبفضل الترجمة الكثيرة لكتاب الجبر والمقابلة انتقل الحساب الهندي والنظام
العشري في الحساب إلى أوربا؛ حتى عُرِفَت العمليات الحسابيَّة باسم
(Alguarismo)، والغريب أنها تُرجمت إلى العربيَّة باسم (اللوغاريتمات)، وهي
في الأصل منسوبة إلى الخوارزمي! والصحيح أن تُترجَم (الخوارزميات) أو
(الجداول الخوارزمية).
وقد أصبح كتاب الجبر والمقابلة مصدرًا أساسيًّا في الرياضيات في الجامعات
الأوربية حتى القرن السادس عشر، وكان معظم ما ألَّفه مَن خلفه في علم الجبر
مستنِدًا إليه، وقد نقله من اللغة العربيَّة إلى اللاتينيَّة روبرت أوف
شستر (Robert of chester)، فاستنارت به أوربا، وحديثًا حقَّق الدكتوران علي
مصطفى مشرفة ومحمد مرسي هذا الكتاب، وذلك في سنة 1968م[2].
وقد أكمل المسيرة بعد الخوارزمي أبو كامل شجاع المصري[3]، وأَبو بكر
الكرخي[4]، وعمر الخيام[5]، وغيرهم من علماء المسلمين الذي نبغوا في هذا
المجال.
اكتشافات علماء المسلمين في الجبر
أولاً: ابتكار واختراع المسلمين الصفر
ويُعَدُّ اختراع وابتكار الصِّفر في الترقيم من أهمِّ مآثر واكتشافات
المسلمين في الجبر، ولا ريب أن ذلك أدَّى إلى تسهيل العمليات الحسابيَّة
وتقدُّم العلوم الرياضيَّة؛ إذ لولا الصفر لَمَا استطاع العلماء حلَّ كثير
من المعادلات الرياضيَّة في مختلف الدرجات بالسهولة التي تحلُّ بها الآن،
ولَمَا تقدَّمت فروع الرياضيات تقدُّمها المشهود، وبالتالي لَمَا تقدَّمت
المدنية هذا التقدُّم العجيب[6].
ثانيًا: حل المعادلات من الدرجة الثانية
ومن أهمِّ مآثر واكتشافات المسلمين كذلك في الجبر أنهم عرفوا حلَّ
المعادلات من الدرجة الثانية، وهي نفس الطريقة المستعمَلَة الآن في كتب
الجبر الحديثة، ولم يجهلوا أن لهذه المعادلات جذرين, واستخرجوهما إذا كانا
موجبين، وهذا من أهمِّ الأعمال التي تَفَوَّق فيها المسلمون, وفاقوا بها
غيرهم من الأمم التي سبقتهم، كما ابتكروا طرقًا هندسية لحلِّ بعض هذه
المعادلات، وفي باب المساحة في كتاب (الجبر والمقابلة) للخوارزمي توجد
عمليات هندسيَّة حلَّها بطرق جبريَّة؛ ممَّا يدلُّ على أن المسلمين -كذلك-
هم أوَّل من استعان بالجبر في المسائل الهندسيَّة[7].
ثالثًا: استعمال الكسر العشري
وإذا كان يُنْسَب إلى العالم الرياضي ستيفن استعمال الكسر العشري، فإن
العالم الرياضي المسلم غياث الدين جمشيد الكاشي[8] كان أول مَنْ وضع علامة
الكسر العشري واستعملها قبل ستيفن بأكثر من 175 سنة، وبيَّن فوائد
استعمالها وطريقة الحساب بها، وفي ذلك فإنه يذكر في مقدِّمة كتابه (مفتاح
الحساب) في الصفحة الخامسة منه أنه اخترع الكسور العشريَّة؛ ليسهل الحساب
للأشخاص الذين يجهلون الطريقة الستينية. وإذن فهو يعلم أنه اخترع شيئًا
جديدًا[9].
رابعًا: استعمال علماء المسلمين الرموز في الجبر
وكذلك فإن علماء المسلمين بعد الخوارزمي قد استعملوا الرموز (+، -، ×، ÷)
في الأعمال الرياضيَّة، ومن مؤلَّفات القلصادي الأندلسي[10] ما يثبت صحَّة
ذلك، وبخاصة في كتابه (كشف الأسرار عن علم حروف الغبار). ولا يخفى ما
لاستعمال هذه الرموز من أثر بالغ في تقدُّم الرياضيات على اختلاف فروعها،
وإنه لمن المؤسف حقًّا أن يُنْسَب إلى العالم الفرنسي فرانسيس فيت الذي عاش
فيما بين (1540-1603م) ابتكار تلك الرموز والإشارات الرياضيَّة[11].
خامسًا: حل معادلات الدرجة الثالثة
هذا ويُعَدُّ حلُّ عمر الخيام (436- 517هـ) للمعادلات الجبرية ذات الدرجة
الثالثة بواسطة القطوع المخروطيَّة من أعظم الأعمال التي قدَّمها علماء
المسلمين للبشريَّة كلها، وبتأمُّل حلِّ عمر الخيام للمعادلات التكعيبيَّة
باستخدام القطع المكافئ والدائرة -مثلاً- يتبيَّن جليًّا أنه تحدَّث عن
الإحداث الأفقي (الإحداث السينيّ) ليفسر الإحداثيين للنقطة؛ وبذلك يكون عمر
الخيام هو الذي وضع اللَّبِنَات الأُولَى لعلم الهندسة التحليليَّة، تلك
التي تُنْسَب للعالم الفرنسي رينيه ديكارت، الذي لا نشكُّ أنه فقط طوَّر
الهندسة التحليليَّة وأرسى أصولها، ولكن هذا لا يعني أننا ننسى دور المبتكر
عمر الخيام[12].