[center]بسم الله الرحمان الرحيم
48-وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ
49-وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ
يقول تعالى اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب أي خلصتكم منهم وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى عليه السلام وقد كانوا يسومونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأى رؤيا هالته رأى نارا خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر إلا بيوت بني إسرائيل مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل ويقال بعد تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة وهكذا جاء في حديث الفتون كما سيأتي في موضعه في سورة طه إن شاء الله تعالى فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل وأن تترك البنات وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها وههنا فسر العذاب بذبح الأبناء وفي سورة إبراهيم عطف عليه كما قال « يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم » وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص إن شاء الله تعالى وبه الثقة والمعونة والتأييد ومعنى يسومونكم يولونكم قاله أبو عبيدة كما يقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها قال عمرو بن كلثوم-إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فينا-وقيل معناه يديمون عذابكم كما يقال سائمة الغنم من إدامتها الرعي نقله القرطبي وإنما قال ههنا « يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم » ليكون ذلك تفسيرا للنعمة عليهم في قوله « يسومونكم سوء العذاب » ثم فسره بهذا لقوله ههنا « اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم » وأما في سورة إبراهيم فلما قال « وذكرهم بأيام الله » أي بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك « يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم » فعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي على بني إسرائيل وفرعون علم على كل من ملك مصر كافرا من العماليق وغيرهم كما ان قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافرا وكسرى لمن ملك الفرس وتبع لمن ملك اليمن كافرا والنجاشي لمن ملك الحبشة وبطليموس لمن ملك الهند ويقال كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليه السلام الوليد بن مصعب بن الريان وقيل مصعب بن الريان فكان من سلالة عمليق بن الأود بن إرم بن سنام بن نوح وكنيته أبو مرة وأصله فارسي من اصطخر وأيا ما كان فعليه لعنة الله وقوله تعالى « وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم » قال ابن جرير وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا آبائكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى « بلاء من ربكم عظيم » قال نعمة وقال مجاهد بلاء من ربكم عظيم قال نعمة من ربكم عظيمة وكذا قال أبو العالية وأبو مالك والسدي وغيرهم وأصل البلاء الإختبار وقد يكون بالخير والشر كما قال تعالى « ونبلوكم بالشر والخير فتنة » وقال « وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون » قال ابن جرير وأكثر ما يقال في الشر بلوته أبلوه بلاء وفي الخير أبليه إبلاء وبلاء وقال زهير بن أبي سلمة-جزى الله بالإحسان مافعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو-قال فجمع بين اللغتين لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده وقيل المراد بقوله « وفي ذلكم بلاء » إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء قال القرطبي وهذا قول الجمهور ولفظه بعدما حكى القول الأول ثم قال وقال الجمهور الإشارة إلى الذبح ونحوه والبلاء ههنا في الشر والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان وقوله تعالى « وإذا فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون » معناه وبعد إن أنقذناكم من آل فرعون وخرجتم مع موسى عليه السلام خرج فرعون في طلبكم ففرقنا بكم البحر كما أخبر تعالى عن ذلك مفصلا كما سيأتي في مواضعه ومن أبسطها ما في سورة الشعراء إن شاء الله « فأنجيناكم » أي خلصناكم منهم وحجزنا بينكم وبينهم وأغرقناهم وأنتم تنظرون ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أبي إسحاق الهمداني عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله تعالى « وإذ فرقنا بكم البحر » إلى قوله « وأنتم تنظرون » قال لما خرج موسى ببني إسرائيل بلغ ذلك فرعون فقال لا تتبعوهم حتى تصيح الديكة قال فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا فدعا بشاة فذبحت ثم قال لأافرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ست مائة ألف من القبط فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ست مائة ألف من القبط فلما أتى موسى البحر قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع ابن نون أين أمر ربك قال أمامك يشير إلى البحر فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر فذهب به الغمر ثم رجع فقال اين أمر ربك يا موسى فوالله ماكذبت ولا كذبت فعل ذلك ثلاث مرات ثم أوحى الله إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم يقول مثل الجبل ثم سار موسى ومن معه وتبعهم فرعون في طريقهم حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم فلذلك قال « وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون » وكذلك قال غير واحد من السلف كما سيأتي بيانه في موضعه وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء كما قال الإمام أحمد « 1/291 » حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال ماهذا اليوم الذي تصومون قالوا هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أحق بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه وروى هذا الحديث البخاري « 2004 » ومسلم « 1130 » والنسائي « كبرى تحفة 5528 » وابن ماجه من طرق عن أيوب السختياني بهنحو ما تقدم وقال أبو يعلى الموصلي « 4094 » حدثنا أبو الربيع حدثنا سلام يعني ابن سليم عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء وهذا ضعيف من هذا الوجه فان زيد العمي فيه ضعف وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه
انتهي تفسير الآية الثامنة والتاسعة والأربعين من سورة البقرة
والسلام عليكم ورحمة الله