وقف
الأستاذ ( شديد ) مدرس التاريخ فى الفصل وسط خوف التلاميذ من نظرته القوية
التى تجعل الواحد منهم يمتلئ من الرعب ؛ خوفاً من أن تطوله يد الأستاذ
العنيف ، وأما الأستاذ ( شديد ) فأخذ يفكر فى حاله ، وكيف أصبح مدرساً
للثانوى ، ولم يتعدَّ عمره ( 32 ) عاماَ ، فكم من الدراسات قد حصّلها ؛
ليصل إلى مافيه ، ثم أخذتْه لحظات من الحسرة والمرارة على طلاقه السريع ،
بعد زواجٍ لم يدم أكثر من سنة واحدة ، فلايدرى هل كان الطلاقُ بسبب شدته ،
أم تمسكه برأيه ، وكيف أنه لم يقُل عن طلاقه لأى أحدٍ من زملائه حتى الآن
، فالجميع يعتقدون بأنه إنسانٌ سعيدٌ فى زواجه ...
وبينما هو يفكر إذا بأحد المفتشين فى مكتب الناظر ، يطلب منه مدرساً
لمدرسة البنات الثانوية حيث أصبح هناك عجزٌ ؛ لأن أحد المدرسين هناك قد
سافر للعمل بدولة الإمارات ، ويتمنى المفتش لو يرشح له الناظر مدرساً قوى
الشخصية ، وطبعاً يكون متزوجاً ؛ كى لايضعف أمام الطالبات ، وخصوصاً وأن
كثيراً منهن قد جاوزتْ العشرين من عمرها ، فاختار الناظر الأستاذ شديد
لهذا المكان ؛ ليتسلم عمله غداً فى مدرسة البنات ، وفى حى غرب القاهرة دخل
الأستاذ شديد المدرسة ، فوجدها تزيد عن الأربعة الاف فتاة ثم دخل الفصل ،
فوجد أن عدده قد وصل لسبعين طالبة ، فظل عدة أيام يشرح دروسه ، ثم ينصرفُ
فى هدوءٍ ، حتى وجد طالبةً تظهر ملابسها مظاهر الثراء ، وإذا بها ابنة
مأمور القسم ، وكانت تضايقُ زميلاتها دائماً ، والكل يطلبُ رضاها ، حتى
ناظرة المدرسة ، ولما نستْ نفسها فى الحصة ، وبّخها الأستاذ ( شديد ) ،
فقالتْ له بتكبرٍ : أنتَ نسيتَ نفسكَ ولا إيه ؟!....هو أنتَ مش عارف أنا
مين ؟ !... وهنا انفعل الاستاذ ، وصفع الطالبة المتكبرة ( يارا ) وسط ذهول
الطالبات ، وذهولها ، فطلبتْ أباها مأمور القسم على التلفون المحمول
وبسرعةٍ حضر رجالُ الشرطة ، وقبضوا على الأستاذ .....
وفى اليوم التالى قالتْ زميلة ليارا : إن الطالبات فرحن لأن الأستاذ ضربكِ
،ولم يعتذرْ إليكِ ، وفى ذلك قمة الاهانة لكِ، وأنصحكِ لو تُخرجيه من
السجن ؛ ليعتذر لكِ...
فطلبتْ من والدها أن تزور الأستاذ فى السجن ، وعرضتْ عليه أن يُفرَج عنه ،
ويعود للمدرسة فى مقابل أن يعتذر لها ، ولكنه رفض بكل شموخٍ ، وفشلتْ فى
اقناعه .....
ومرتْ ثلاثة أيام لايشغلها إلا كرامتها ، وأن يعتذر لها الأستاذ أمام
الطالبات ،وهنا قررتْ أن تستخدم سلاح المرأة فى المكر ، وجعلتْ والدها
يفرج عنه ، وأفهمتْ الأستاذ أنها نادمةٌ على سجنه ، وترجوه أن يسامحها ،
وأن يعود للمدرسة ، وأنها أصبحتْ لا تنتظر منه أى اعتذارٍ ، ثم طلبتْ منه
أن يعطيها درساً خصوصياً لوحدها فى منزلها ، وعندما حضر لمنزلها أرادتْ أن
تذله بحبها ، وعرضتْ نفسها عليه ، لكنها لم تلحق لأن آذان المغرب كان
عالياً فى المسجد المجاور لمنزلهم ، وفوجئتْ بالأستاذ يطلبُ منها الوضوء ؛
لتشاركه الصلاة الجماعية ، فتظاهرتْ بإطاعة كلامه ، ولتفعل بعد الصلاة
ماتريد ، ووقفتْ خلفه وهو يتلو آيات القران الكريم بصوتٍ جهرىٍّ رائعٍٍ
ومؤثرٍٍ ،وإذا بها تنسابُ دموعُها ؛ ندماً على ما كانت تفكر فيه ، وعلى
كبريائها المزيف ، وهنا بدأتْ تسمع لهمس قلبها ، ولحن خفقاته ، وبدأ الحب
الطاهر يتغلغل فى أعماقها ، واعترف الأستاذ آخيراً بحبه لها ، وفى لحظةًٍ
من الصفاء قال لها الأستاذ مداعبا : ما أهم شيئٍ أعجبكِ فىّ يا حبيبتى ؟..
فردت يارا وقد عدلتْ من حجاب شعرها الذى ارتدتْه مؤخراً ؛ تنفيذاً لرغبة
حبيبها الأستاذ : كل شيئٍ فيكَ يعجبنى ...ولكن يبقى أهم ما أعجبنى فيكَ ،
وهو عصبيتك ...لأنى أحب الرجل العصبى...
فبادرها الأستاذ بابتسامةٍ فيها حنو أبوى : أنتِ أيضاً كل شيئ فيكِ
حلو...ولكن تبقى لديكِ صفة حلوة ظهرتْ بعد تغير شخصيتكِ للأحسن ، وهى كلمة
( حاضر ) فعندما تقوليها لى ، أشعر بأنى خادمكِ المطيع ....
وهبت العاصفة منذرةً بفراقٍ وشيكٍ ، فلقد جاءها عريس ثرى وافق عليه أهلها
، ولكنها رفضتْ وبإصرارٍ ، وصرّحتْ لأمها بحبها للأستاذ ، فذهبتْ أمها
للأستاذ ، وطلبتْ منه إن كان حقاً يحبُ ابنتها ، ويتمنى لها السعادة ،
فعليه أن يتركها ؛ لتعيش مع إنسانٍ يناسبها عمراً ، ومن نفس مستواها
الاجتماعى ، لأن الأستاذ أكبر من ابنتها ب ( 13 ) سنة ، وأيضاً فإن مستواه
المادى أقل كثيراً من مستواهم المادى ، وإن الحب تضحية ، وعليه أن يبعد عن
حياة ابنتها....
واقتنع الأستاذ شديد بكلام والدة يارا ، وحصل بسرعةٍ على عقد عمل بدولة
قطر ؛ ليبعد عمن أحبها قلبه ، ويعود للوحدة والحزن والحسرة والمرارة ، فهم
أصدقاؤه الذين لايفارقونه أبداً ...ليكون الفراق قدرا دائما...............
__________________