لا عجب في أن يكون طفلك قد تعرض،
ولو مرة، لالتهاب الأذن الحاد المزعج، ما قضَّ مضجعه ومضجعك. فهو مرض بسيط،
لكنه شائع، ومن شأنه إحداث مضاعفات في حال إهماله. هذه بعض النصائح.
التهاب الأذن (بالإنجليزية
otitis وبالفرنسية otite) هو بمثابة محطة شبه إجبارية أثناء الطفولة،
والأنكى: لا يندر أن تتكرر بضع مرات. لكنه مرض هين العلاج نسبياً، شرط أن
يجيد الطبيب اختيار المضاد الحيوي المناسب. فذلك من واجباته. أما الوالدان،
فمن المفيد جداً أن يطّلعا على المعلومات والنصائح الآتية:
- ما هي
أعراض التهاب الأذن؟
عند الطفل الرضيع، يتمثل التهاب الأذن
بوجع فيها، مصحوب في معظم الأحوال بارتفاع درجة الحرارة (لغاية 38.5 أو 39
درجة مئوية). وأحياناً، يصبح الطفل متذمراً ومتشكياً، صعب المزاج، ويفقد
شهيته. كما يبكي ليلاً. وعند الطفل نفسه، تتكرر الأعراض نفسها، بالضبط، في
المرة التالية (إن حصلت)، ما يعين الوالدين على تشخيص المرض حالاً، بالتالي
مساعدة الطبيب.
2 - في أي عمر يكون الطفل أكثر عرضة لالتهاب
الأذن؟
أظهرت دراسات إحصائية
أن التهاب الأذن يكون على أشده لغاية سن عامين اثنين، لكنه قد يستمر لدى
بعض الأطفال حتى سن 5. وسبب هذا التفاوت في العمر، بين الأطفال المختلفين،
يكمن في قدرة كل منهم الطبيعية على تنمية المناعة الذاتية. فالحصانة تتكون،
وتتعزز، بشكل طردي مع عدد أنواع البكتيريا التي يتعرض لها الطفل من خلال
بيئته المنزلية، ثم المدرسية. هكذا، كلما اكتشف الجسم جرثومة جديدة، استنبط
لها وسائل دفاعية جديدة، ما يعزز نظام المناعة الطبيعية. إلى ذلك، تبين
أيضاً أن الأولاد أكثر عرضة من البنات بقليل: 55 في المئة من المصابين
ذكور، مقابل 45 في المئة إناث.
3 - هل يمكن الوقاية من التهاب الأذن؟
على العموم، يحل التهاب الأذن إثر إصابة بالزكام
أو الرشح أو نزلة برد، لكن ليس بالضرورة. فمن الصعب التكهن بأن الرشح أو
الزكام أو نزلة البرد، وما شابه، ستتطور إلى التهاب أذن. على الرغم من ذلك،
ثمة عوامل مساعدة، ينبغي تفاديها قدر الإمكان. فالأطفال الأكثر عرضة
للإصابة بالتهاب الأذن الحاد هم من تنطبق عليهم الشروط الآتية:
- يُولون إلى عناية دار حضانة، أو مربية تتولى
رعاية أطفال عدة ، بالتالي يكونون على اتصال متكرر مع أطفال آخرين.
- لم يرضعوا حليب الأم لفترة طويلة (أي لِما لا
يقل عن 3 أشهر). هكذا، تكون مناعتهم الطبيعية أضعف من غيرهم. إذ أظهرت
الدراسات أن مَن لم يرضعوا حليب الأم، أو رضعوا لمدة محدودة، يكونون أكثر
عرضة للإصابة بالتهاب الأذن الحاد جراء عدم تلقيهم أجساماً مضادة كافية.
- في موسم البرد، لا ينتبه الوالدان إلى تغطية
آذانهم بقلنسوات سميكة. فحماية أذني الطفل من البرد تسهم كثيراً في الوقاية
من التهاب الأذن الحاد. صحيح أن بعض الأولاد لا يحب تلك القلنسوات، لاسيما
إذا كانت من الصوف، لكن يتعين على الوالدين الإلحاح، مع محاولة شرح ذلك
للطفل (إن كان في سن يفهم فيها الأمر، وطبعاً بكلمات بسيطة).
4 - هل يقتصر علاج التهاب الأذن
الحاد على تناول المضادات الحيوية؟
في الواقع، يؤدي الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية إلى مفعول
معاكس: إذ تتمكن الجراثيم من التكيف، بالتالي مقاومة المضادات الحيوية.
وثبتت تلك الحقيقة من خلال دراسات عديدة، منها مثلاً في فرنسا، التي تعد
بطلة أوروبا في اللجوء إلى المضادات الحيوية. إلى ذلك، لا تنفع المضادات
الحيوية في العديد من حالات التهابات الأنف والأذن والحنجرة والممرات
التنفسية. والسبب: ببساطة، معظم تلك الالتهابات فيروسية، أي تنجم عن
فيروسات معينة، بالتالي لا ينفع معها أي علاج بالمضادات الحيوية. هكذا،
تنصح السلطات الصحية في معظم البلدان بعدم اللجوء إلى المضادات الحيوية سوى
في الحالات المرضية المؤكد أنها تنجم عن جراثيم وبكتيريا، لا عن فيروسات،
وفي غياب أي علاج ممكن آخر. وفي ما يخص التهاب الأذن الحاد، صيغت الشروط
على النحو التالي:
- العلاج
بالمضادات الحيوية لازم للأطفال دون سن عامين اثنين، في حال إصابتهم
بالتهاب الأذن الحاد. في تلك السن، يصف لهم الطبيب تلقائياً مضاداً حيوياً،
على أن يكون مناسباً للإصابة ولحالة الطفل العامة، ووزنه.
- بعد سن عامين، ينبغي ملاحظة الأعراض، واتخاذ القرار
اللازم وفقاً لها.
وعلى العموم،
يؤكد أطباء كثيرون أن المضادات الحيوية الأمثل للطفل المصاب بالتهاب الأذن
الحاد هي أدوية «أموكسيسيلين» (بتسمياتها المختلفة)، وما شابهها، وأن هذه
أفضل من المضادات الحيوية من فئة «ماكرولايدز»: إذ أظهرت دراسات حديثة أن
الجراثيم المسببة لالتهاب الأذن الحاد اعتادت على تلك الفئة من المضادات
الحيوية، وباتت تبدي مقاومة كبيرة تجاهها، ما يحجِّم فاعليتها بشكل كبير.
لكن، أظهرت تحقيقات، أجرتها جهات طبية في بعض البلدان الأوروبية، أن معظم
الأطباء لا يزالون يصفون مضادات حيوية من فئة «ماكرولايدز»، ذات المفعول
الضعيف. وهناك أيضاً طريقة استخدام الغاز المثير للضحك (انظر الكادر).
5 - هل ثمة مفعول للقاحات في
باب التهاب الأذن الحاد عند الطفل؟
الأغلبية الساحقة من حالات التهاب الأذن الحاد عند الطفل تكون
متأتية من ثلاث جراثيم: جرثومة الإنفلونزا (المسماة «هيموفيلوس إنفلونزا»)،
والمكورة العنقودية، والمكورة العنقودية الرئوية (المسؤولة عن التهابات
الرئة والقصبات والشعيبات). لذا، أثبت بعض اللقاحات فاعلية حميدة ضد التهاب
الأذن الحاد، منها «پريڤينار» («Prevenar» أو بمسمياته الأخرى) الذي يكافح
المكورات العنقودية الرئوية. وفي بعض البلدان، عمدت السلطات الصحية، منذ
عام 2006 (تاريخ استنباط اللقاح)، إلى توزيع تعميمات تنصح بإعطاء ذلك
اللقاح (بمسمياته المختلفة، حسب البلدان) الأطفال الرضع بدءاً من سن شهرين
اثنين. ولوحظ انخفاض معتبر في مراجعات الآباء، في تلك البلدان، لغرض علاج
أطفالهم من التهاب الأذن الحاد. وفي الوقت نفسه، لوحظ أيضاً انخفاض اللجوء
إلى وضع وسائل تهوية الأذن (شائعة الانتشار للوقاية من التهاب الأذن الحاد
عند الأطفال الذين يتكرر معهم المرض باستمرار).
إلى ذلك، أسهمت عمليات التلقيح ضد الإنفلونزا التقليدية، أيضاً،
في خفض حالات الإصابة بالتهاب الأذن الحاد. لكن مفعول هذه اللقاحات، بحسب
الإحصاءات، أقل بكثير من مفعول لقاحات المكورات العنقودية الرئوية. يستنتج
من ذلك، أن لبعض اللقاحات مفعولاً حميداً مؤكداً ضد التهاب الأذن الحاد،
لكنه يظل غير كافٍ، ولا يشمل الحالات كلها.