ثر الدين في تقبل الاعاقة الجسدية
الإعاقة ابتلاء من الله للعبد، والمعاق أياً كانت إعاقته إنسان مبتلى، ومفهوم الابتلاء بالنسبة للمؤمن ليس مفهوماً سيئاً
بل هو مفهوم إيجابي من وجوه عدة أهمها أن المبتلي محبوب عند الله إن صبر، وسلم قال: ( إذا أحب الله عبداً ابتلاه
وفي الحقيقة فإن الزوج الذي يحس بأن زوجته المعاقة بأي نوع من أنواع الإعاقة الجسدية- أو حتى العقلية- داخلة في هذا الصنف من المحبوبين لله، وكذلك الزوجة التي تنظر إلى زوجها المعاق بنفس المنظار والمفهوم، فلا شك أنه سيهون لديها ذلك المصاب ويتلاشى الإسقاط السلبي على النفس ويزول.
الإسقاط السلبي
ويقصد بالإسقاط السلبي إحساس أحد الزوجين بأنه قد أصيب بشكل غير مباشر بالإعاقة التي لحقت بالزوج الآخر، فهو متضرر وناقص لارتباطه بمعاق، إن هذا الإحساس القاسي في ظل الإيمان بالله تعالى ورحمته التي تشمل المعاق الصابر ينبغي أن يتحول إلى مشاركة وجدانية وخدمة شخصية وتفان واضح وتحمل ومشاركة بين الزوجين، حتى يتكاتفا، ويتعاضدا فيخففا وطء الإعاقة وأثرها على أحدهما.. بل وعلى كليهما.
وإذا كانت الأصوات والنداءات تتجه صوب الزوج الصحيح للقيام بشؤون الزوج المعاق، من واقع تمتعه بكامل صحته وقواه، وارتباطه برفيق عمره ارتباطاً روحياً وجسدياً، فإن هناك أيضاً أصواتاً تتجه صوب الزوج المعاق نفسه ليستحضر في ذهنه صبر الآخر ودأبه في خدمته وقيامه بواجبه، فإذا رأى منه قصوراً أو تردداً أو تقصيراً في لحظة ضعف، فما عليه إلا أن يقارن هذه اللحظة بالساعات الطوال التي سهرها الآخر في رعايته والأيام الكثيرة التي أنفقها في خدمته...
الإيمان بالقضاء والقدر
وللإيمان بالقضاء والقدر علاقة وثيقة بالتعامل مع الإعاقة .. والزوجان المؤمنان حقاً الصادقان في إيمانهما، يعيشان حياتهما مسلمّين أمرهما لله، واثقين من أن ما أصابهما لم يكن ليخطئهما، وأن ما كان من بلاء فإنما هو بقضاء الله وقدره، فإذا أعيق أحد الزوجين إعاقة جسدية بشلل عضو أو فقده أو إعاقة ذهنية، لم يجد له ملجأ- فيما لا يملك دفعه عن نفسه أو شريك حياته- إلا أن يفوض أمره إلى الله- لعلمه أن هذا هو قضاؤه وقدره...
وهذا الإيمان هو الدافع للزوجين إلى ضبط اللسان ( لا نقول إلا ما يرضي الرب). ( اللهم فوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك). وإلى ضبط الانفعالات وتقلبات النفس وعدم الإصغاء إلى وسوسة الشيطان. ( ويسلموا تسليما ).
والاعتقاد الراسخ بأن الإعاقة أمر من قضاء الله وقدره تدفع المعاق وشريك حياته إلى الرضى والصبر الجميل، والصبر الجميل هو الصبر على البلاء مصحوباً بالرضى عن الله سبحانه، الذي إن أخذ عضواً فلقد أبقى أعضاء، وإن سلب نعمة فلقد تفضل بنعم أخرى جمة، فله الفضل والمنة فيما أخذ وأعطى، ولئن أخذ من العبد شيئاً، فما أعطاه من الأجر على فقده أعظم منه، ولئن أبقى للعبد شيئاً فما ذلك بحق عليه سبحانه ولا واجب، وإنما من محض فضله وواسع رحمته.. فالصبر في الحقيقة هنا ليس صبراً على فقد حق، ولا امتناعاً عن المطالبة بواجب، بل هو صبر على ما اعتادته النفس ونالته من سابغ النعم ووفيرها وجزيلها.. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وكل شيء عنده بمقدار.
وعلى الزوجين أن يعلما أن الله سبحانه لم يكلف نفساً بأكثر مما تطيق من دون عناء ومشقة، والمعاق داخل تحت هذه القاعدة، فليس للزوج الآخر وشريك العمر أن يتصور إمكان المطالبة بالمستحيل الذي هو تكليف المعاق بنفس تكاليف السليم..
التخفيف الشرعي
إن المعاق يخفف عنه شرعاً بقدر إعاقته، فمن عجز عن القيام صلى قاعداً ومن عجز عن القعود صلى مستلقياً، وهكذا الأمور تكون، وليس من الإنصاف في شيء أن نكلف المعاق القيام بغيره وهو العاجز عن القيام بشؤون نفسه، بل إن من مبادئ الوفاء بين الزوجين وأصول التعامل بالحسنى وحقوق العشرة الزوجية أن يكون السليم عوناً للمعاق في طعامه إن عجز عنه، أو في حركته إن أبطأ فيها، أو في راحته إن عزت عليه..
إن الشريك الآخر المعافى هو العوض المفقود، فهو اليد السليمة إن كانت الإعاقة في الأيدي، وهو الرجل القوية إن كانت الإعاقة في الأرجل، وهو السند والعون والساعد والمعين في الليل والنهار والسر والعلانية والأمر الخاص والعام...
يكون مع شريك عمره مواسياً ومعيناً، ولا يكون عليه مؤنباً ومعنفاً ولجوجاً، بل يرى القليل منه كثيراً، والبسيط منه عظيماً، والمر حلواً وطيبا.
ومن المفاهيم الإيمانية أن الإعاقة في الدنيا تنتهي بانتهائها وأن المؤمن يعود إلى كامل قواه وأشد ملكاته وزهرة شبابه- وكذلك - المؤمنة - في الجنة. وذلك لقوله تعالى ( إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً لأصحاب اليمين).
وهذا الاعتقاد بعودة المرء إلى سلامته ضروري لاستمراره في الحياة متفائلاً ( إن الله على كل شيء قدير) وإذا عجز الطب وانقطع الأمل في العبد فلن يعجز الرب، ولن يعدم المسلم أملاً كبيراً بقدرة الله التي أنطقت الحجر وشقت القمر وفلقت البحر وأخمدت النار وأحيت أهل الكهف بعد عشرات السنين وأعطت عيسى ما جعله أملاً لكل معاق ( وأبرئ الأكمة والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله).
هذه نقطة مهمة يستطيع الزوج الآخر السليم التركيز عليها لإنعاش الأمل وبث روح التفاؤل في الشريك الآخر المعاق.
نصائح عملية
إلى الزوجين المعاق أحدهما أقدّم هذه النصائح العملية:
1- اعتبر الإعاقة الأمر الطبيعي الذي أصبح أساساً بحكم الواقع، وتصرف على أساس أن ما هو موجود هو خير ما يمكن، وليس في الإمكان أبدع مما كان.
2- لا تحاول أن تشعر الشريك المعاق بالعطف الزائد أو الحنان المبالغ فيه حتى لا يفسره هو تفسيراً سلبياً يضخّم عليه إعاقته ويذكره بها، بل إن سألك الإعانة والمساعدة فبادر إليها، وإن حاول بنفسه الاستغناء عنك فلا تلح عليه فيها، وأشعره أنك تساعده كما تساعد الآخرين الأسوياء دون حرج ولا تضايق ولا تبرّم، بل بكل بساطة وتجاوب ونفسٍ راضية.
3- لا تكلفه ابتداء ما تعلم أنه عاجز عنه فإن ذلك سيحرجه ويذكره بإعاقته، وقم بنفسك بما يجب عليك تجاهه.
4- إن كانت الإعاقة في اللسان فشاركه في معرفتك بالإشارات، وإن كانت الإعاقة بالبصر فتعلم لأجله لغة بريل ( اللمس ).
5- أسرد أمام الشريك المعاق إذا رأيته ضجراً متبرماً بنفسه قصصاً لنماذج من عباقرة المعاقين أو مشاهيرهم أو نجاحاتهم.
6- لا تذكر إعاقة شريكك أمام الآخرين دون داع أو سبب، ولا تكرر على مسامع الآخرين سبب تلك الإعاقة، ودع الذين لا يعلمون في جهلهم، ودع الذين يعلمون بالإعاقة في صمتهم، وأدر الأحاديث التي ترفع الهمم وتذكي الفكر وترفع مقام الإنسان كإنسان.
7- أشعر شريكك المعاق بأنك سعيد معه، وتصرف على هذا الأساس، ولا تتحرج أمام الآخرين من ترتيب حياتك وتصرفاتك بموجب حالة الإعاقة التي يعاني منها شريك حياتك وكأنك أنت المعنى بالإعاقة دون المعاق ذاته.
8- نَمّ في شريكك المعاق المهارات التي تناسب حالته، فالرسم مثلاً يناسب حالة المقعد الذي لا يستطيع المشي، والأعمال اليدوية تناسب حالة المعاق بشيء من التأخر الذهني، وهكذا فمن واقع الإعاقة تستطيع أن تتعرف على الهواية المناسبة والمهارة الملائمة.
9- أدم الدعاء لشريكك المعاق بسلامة الحال ابتداء، وبعدم ازدياد الإعاقة ثانياً فالدعاء علاج ناجح ناجع، وهو جزء من التسليم لقضاء الله وقدره، والرجوع إليه والاستعانة به على ما جرت به المقادير.
10- لا تنسَ أن تذكر شريكك المصاب في حالة ضجره ويأسه بأن هناك من هو أشد إعاقة وابتلاء منه، وأن الفرج قريب، والأمل في الله قوي، وأن مع العسر يسرا، ( ولن يغلب عسر يسرين) كما قال عليه الصلاة والسلام.