تعريف الشِّعْر
والرَّجَز والْحُدَاء :
أما الشِّعْر : فَهُوَ فِي الأَصْل اِسْم لِمَا دَقَّ
وَمِنْهُ " لَيْتَ شِعْرِي " ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْكَلام الْمُقَفَّى
الْمَوْزُون قَصْدًا .
وَيُقَال : أَصْله بِفَتْحَتَيْنِ يُقَال شَعَرْت أَصَبْت الشِّعْر
وَشَعَرْت بِكَذَا عَلِمْت عِلْمًا دَقِيقًا كَإِصَابَةِ الشِّعْر .
وَقَالَ الرَّاغِب : قَالَ بَعْض الْكُفَّار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ شَاعِر , فَقِيلَ لِمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآن
مِنْ الْكَلِمَات الْمَوْزُونَة وَالْقَوَافِي .
وَقِيلَ : أَرَادُوا أَنَّهُ كَاذِب لأَنَّهُ أَكْثَر مَا يَأْتِي بِهِ
الشَّاعِر كَذِب , وَمِنْ ثَمَّ سَمَّوْا الأَدِلَّة الْكَاذِبَة شِعْرًا
وَقِيلَ فِي الشِّعْر : أَحْسَنه أَكْذَبه , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ قَوْله
تَعَالَى : ( وَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ )
وَيُؤَيِّد الأَوَّل مَا ذُكِرَ فِي حَدِّ الشِّعْر أَنَّ شَرْطه الْقَصْد
إِلَيْهِ , وَأَمَّا مَا وَقَعَ مَوْزُونًا اِتِّفَاقًا فَلا يُسَمَّى
شِعْرًا .
وَأَمَّا الرَّجَز : فَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَالْجِيم
بَعْدهَا زَاي , وَهُوَ نَوْع مِنْ الشِّعْر عِنْدَ الأَكْثَر .
وَقِيلَ : لَيْسَ بِشِعْرٍ لأَنَّهُ يُقَال رَاجِز لا شَاعِر وَسُمِّيَ
رَجَزًا لِتَقَارُبِ أَجْزَائِهِ وَاضْطِرَاب اللِّسَان بِهِ , وَيُقَال
رَجَزَ الْبَعِير إِذَا تَقَارَبَ خَطْوه وَاضْطَرَبَ لِضَعْفٍ فِيهِ .
وَأَمَّا الْحُدَاء : فَهُوَ بِضَمِّ الْحَاء وَتَخْفِيف
الدَّال : سَوْق الإِبِل بِضَرْبٍ مَخْصُوص مِنْ الْغِنَاء , وَالْحُدَاء
فِي الْغَالِب إِنَّمَا يَكُون بِالرَّجَزِ وَقَدْ يَكُون بِغَيْرِهِ مِنْ
الشِّعْر ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَة الإِبِل أَنَّهَا تُسْرِع السَّيْر إِذَا
حُدِيَ بِهَا .
وَأَخْرَجَ اِبْن سَعْد بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ طَاوُسٍ
مُرْسَلاً , وَأَوْرَدَهُ الْبَزَّار مَوْصُولاً عَنْ اِبْن عَبَّاس دَخَلَ
حَدِيث بَعْضهمْ فِي بَعْض :
ـ إِنَّ أَوَّل مَنْ حَدَا الإِبِل عَبْد لِمُضَرَ بْن نِزَار بْن مَعْد
بْن عَدْنَان كَانَ فِي إِبِل لِمُضَرَ فَقَصَّرَ , فَضَرَبَهُ مُضَر عَلَى
يَده فَأَوْجَعَهُ فَقَالَ : يَا يَدَاهُ يَا يَدَاهُ , وَكَانَ حَسَن
الصَّوْت فَأَسْرَعَتْ الإِبِل لَمَّا سَمِعَتْهُ فِي السَّيْر , فَكَانَ
ذَلِكَ مَبْدَأ الْحُدَاء . وَنَقَلَ اِبْن عَبْد الْبَرّ
الاتِّفَاق عَلَى إِبَاحَة الْحُدَاء , وَفِي كَلام بَعْض الْحَنَابِلَة
إِشْعَار بِنَقْلِ خِلافه فِيهِ , وَمَانِعه مَحْجُوج بِالأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَة .
وَيَلْتَحِق بِالْحُدَاءِ هُنَا الْحَجِيج الْمُشْتَمِل عَلَى التَّشَوُّق
إِلَى الْحَجّ بِذِكْرِ الْكَعْبَة وَغَيْرهَا مِنْ الْمَشَاهِد ,
وَنَظِيره مَا يُحَرِّض أَهْل الْجِهَاد عَلَى الْقِتَال , وَمِنْهُ غِنَاء
الْمَرْأَة لِتَسْكِينِ الْوَلَد فِي الْمَهْد.