الشغـف بالعـلم
عبد الرحمن العجيان
بسم الله الرحمن الرحيم
كان شَغَفُ ’’قيس بن
الملوح‘‘ بليلاه سبباً في جعل اسمه خالداً في
طريق العشق والغرام، بينما كان شغف الإمام الشافعي - رحمه الله - بالعلم حاملاً له
أن يقول كلمة سارت بها الركبان:" أسمع بالحرف –
مما لم أسمعه - فتود أعضائي أن لها أسماعاً: تتنعم به مثل ما تنعمت الأذنان
به" ؛ فقيل له : فكيف حرصك عليه؟. قال:"حرص
الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال" ؛ فقيل له : فكيف طلبك له
؟. قال:"طلب المرأة المضلة ولدها، وليس لها ولد
غيره".
وقال أيضاً:"جعلت لذتي في العلم وطلبه حتى رزقني منه ما رزق"(1).
وهذا الإمام ابن القيم – رحمه الله - يقول:"وإني
لأفكر في المسائل حتى أرى الرؤيا في المنام فيفتح الله علي فيها".
لو لم تكن اللذة العلمية فوق منتهى لذة الجسد لما
وجدوا هذا الشغف بالعلم الذي يفوق كل شغف.وهذا الشغف هو الميل الفطري الذي
لا منتهى له لأمر ما؛ الشغف الذي يحمل صاحبه على تجاوز مطالب الجسد والروح
إلى ذلك المشغوب به.
ها هو الإمام النووي – يرحمه الله - يقول
لأحد تلامذته:" فلما كان عمري تسع عشرة سنة؛ قدم بي
والدي إلى دمشق في سنة تسع وأربعين، فسكنت المدرسة الرواحية، وبقيت نحو
سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض"(3). وما ذاك إلا لشغف بالعلم
الشرعي سلب لب الراحة منه مدة سنتين؛ فحري به أن يقال فيه ما قاله
المترجمون للحافظ ابن عساكر: ’’ كان شعلةَ نار في
التحصيل‘‘.
ولا زلت أذكر ما حدثنا به الثقات في شغف ذهبي العصر الشيخ العالم المحدث عبد الرحمن بن يحيى المعلمي – رحمه الله – المتوفى
سنة: (1383هـ) من أنه لم يكن ينام حتى يضع عن
يمينه شرح ألفية ابن مالك ، وعن يساره شرح منتهى الإرادات؛ فإذا نام ترك
الأنوار مضاءة، فيحدث عنه أبناؤه أنه كان يغفو ثم يقوم فيلتفت إلى أحد
الكتابين، فيفتح على صفحةٍ محددة ثم ينظر فيها ثم يرجع فينام – رحمه الله
تعالى -؛ إنه الشغف الذي لا حد له، وهو طريق التعلم الذي يكون
المرء عالماً أو متعلماً، كما قال الشاعر:
ذو العقل في النعيم بعقله00000وأخوا الجهالة في
الجهالة ينعم
وقد لا يعذر هؤلاء الناس من لا يعرف طعم ذلك ولا يبلغ مبالغ أولئك، ولا جرى
مع فرسان ذلك الميدان فهو حقيق بأن يقال له: (ماذا بعشك يا حمامة فادرجي)
ويصدق فيه قول القائل:
لا يعـرف الشوق إلا من يكابده00000ولا الصبـابـة إلا
مـن يعـانيها
وقول الآخر:
من لم يبت والحب حشـو فؤاده00000لم يـدر كيف تفتـت
الأكبــاد
نقلاً عن منتديات بيت الفقه
--------------------------------------------------------------------------------
(1) [آداب الشافعي ومناقبه]؛ ص: (22)، للإمام الجليل
أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة : (327)، وانظر كذلك
[تذكرة السامع والمتكلم]، ص3.
(3) [تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين] ص: (44- 45) لعلاء الدين
علي بن إبراهيم ابن العطار المتوفى: (724).