كتبهاسهام البيايضه ، في 28 كانون الأول 2007 الساعة: 00:59 ص
فروسية الفانتازيا عند المغاربة
طقوس تراثية لتمجيد الخيل في مواسم الأولياء والصالحين
بقلم:سهام البيايضة/الاردن
للفروسية أشكال وطقوس مختلفة, اختلفت باختلاف الشعوب والبيئات وخلفيات المشهد الاجتماعي والقيمي لكل جماعة,بما يحقق التوافق الذهني أحيانا وعدمه في أحيان أخرى دون الحاجة للحكم من قبل الآخرين, بما أنها سلوك خاص تتمتع به تلك الجماعة ضمن إطار من المفاهيم الاجتماعية والبيئية الخاصة.
بالرغم من وجود مجموعة متوافق عليها من المفاهيم والقيم التي تنتشر في البلدان العربية والمتعارف عليها في تقريب وجهات النظر العربية بشكل عام إلا أن الاختلاف كان متواجدا ليطبع كل مجتمع بخصوصيته التي تنبع من ماض يمتد إلى حاضر,مستعد للانطلاق إلى المستقبل.
الفانتازيا المغربية ,مشاهد متميزة تستحق التوقف عندها والتعرف عليها بسبب ذلك التميز الفريد الذي يغلف هذه الاحتفالية الشعبية التي كان لها أبعادها الاجتماعية والعقائدية وحتى السياسية,ليبقى مشهد الفروسية والخيل هو الأهم لنتحدث من خلاله عن علاقة الإنسان بالأرض وأشكال التعبير المختلفة التي يعكسها الأفراد من خلال أنماط سلوكية وذهنية لها معاني خاصة يجد فيها متعته وراحته وحتى تباهيه وتميزه باختلاف ميزاته ومقتدرا ته مع الآخرين,
الفانتازيا أو ما يصطلح عليه"التبويردة" فن مغربي خاص يعيد الذاكرة الشعبية للمتفرجين في الأعياد والمناسبات ليمتزج فيها حب الفروسية والخيل التي تعمقت صلاتها بالإنسان على مر العصور لدرجة أنها بادلته المحبة والحرص لتعبر من خلال ذاتها وبلسان حالها عن مدى امتنانها لتلك الرعاية بعلاقة فانتازية !, فيدعوا الخيل لصاحبها بالخير وتستكين لسخرتها له, وتشاركة رزقه ومحبته لأهل بيته وماله "اللهم سخرتني لابن ادم,وجعلت رزقي بيده,فاجعلني أحب إليه من أهله وماله,اللهم ارزقه وارزقني على يديه"
في رحاب الفانتازيا تجوز كل الأشياء ,ولا مجال لجدال المبالغة في المفاهيم والتعبير ,ما دام للقوم احتفاليتهم وأفراحهم لإظهار كل ما له قيمة وأهمية في ميادين فروسية العشق والفرح, ليكون للحصان الصدارة في كل المشاهد الاحتفالية والروحية مكللا بالرعاية والاهتمام من قبل خيرة القوم والقبيلة وأكثرهم نخوة وقيمة,إكراما وإجلالا لهذا المخلوق, الذي رد كرمهم ابهه وحضور,طيعا لأمرهم متفان في رد الخير بأطيب منه.
ارتبطت الفروسية والفانتازيا في الذاكرة المغربية بأبعادها التقليدية لتكون شاغلهم صغار كبار,ينتظرها الجميع في كرنفالات جماعية شعبية تتضمن المواويل وزغاريد النسوة متفاخرة بالنصر لرؤية الأبناء والأزواج فرسانا,تدعو لهم الأمهات والعاشقات بالسلامة لتكون عنوان في الأعراس والاحتفالات الدينية ومواسم الأولياء والصالحين الذين تزخر بهم المدن المغربية كما تزخر بهم الذهنية المغربية من أمثال:الولي الصالح سيدي بوعبيد الشرقي لمدينة أبي جعد,وسيدي التعليمي بمدينة سطات,ومواسم أخرى لأولياء وصالحين آخرين في مراكش ,الجديدة,مكناس ومدن المغرب كافة.
تتجدد مشاهد الخيل والفروسية في مواسم الأولياء والصالحين متنوعة ومختلفة في الشكل والحجم والسلالات والألوان,يتفاخر بها أصحابها وبمستويات التدريب والحضور,فلا بد من مسابقات القفز والجري ليكتمل تناغم الأجواء في ترابط فانتازي له حضور للأصالة والمعاصرة في آن واحد,عبر اللقاءات الرياضية والفنية المتعددة.
خيول وفرسان تزخر بهم الأماكن والاحتفالات في أجواء من الفرح والحماس, لحظات ارتبطت بالكثير من التجهيز والاستعداد في أزياء بيضاء خاصة يكملها الحزام والجلابية والعمامة وسروال فضفاض تسمى"المنصورية" وخنجر من نوع "كمية" وقرون البارود "وشكارة"فيها آيات من القران الكريم.
تقضي عادات المواسم أن تبدأ العاب الفانتازيا فترة ما بعد الظهر بعد أن يرتدي الفرسان ملابسهم التقليدية ويركبون جيادهم انطلاقا إلي ميادين الفروسية "المحرك"
تجتمع عشرات الفرسان في صف واحد "السربة"وكل "سربة"تمثل جماعة أو قبيلة في انتظار اشارة من قائدهم "العلام".
للانطلاق يصيح " أهاو أهاو" لترفع البنادق عاليا ثم يردد "الحافظ الله" كإشارة ببدء الانطلاق للعدو والركض وبإطلاق البارود معا عند خط الوصول, تعلو زغاريد النساء وهتافات الحناجر بقول:اللهم صلي عليك يا رسول الله " إيذانا بنجاح "السربة" وفي حالة أن يخطئ احدهم بالضغط على الزناد خارج "السربة" يعاقب بالترجل عن فرسه وسط سخط أبناء قبيلته التي ينتمي إليها, عقاب قاسي في أعراف "السربة" لمخالفة انسجام الفرسان في طلق البارود!!
لقد ترسخت مفاهيم الفروسية كرمز يميز الذاكرة الثقافية المغربية بإحياء التراث التقليدي وعالم الفرسان والخيالة وما تحمله من دلالات ورموز سواء في جمالية اللباس أو سروج الخيل أو بالمواويل المصاحبة والأدعية ومآدب اللقاءات حتى في ثقافة الخرافة وقارئات الطالع وضرب الفال.
كما امتزجت بالمفاهيم العقائدية والروحية لتكتمل بها الفضائل الإنسانية عند الفرسان ,فلا بد من أن يتوضأ الفارس قبل أن يمتطي فرسه ليُعبر عن طهارة السريرة وغاية المقصد والنية وطهارة الروح ليكتمل بعدها المشهد الخارجي بتقلد السلاح التقليدي "المكحلة"المرصعة بخطوط متموجة دقيقة,لتكتمل الطقوس بين ما بطن وظهر ليتناغم المشهد ولتستحضر فروسية الفانتازيا أبعادا روحية ترتبط بالمقاتل والنصر وبمشاهد جحافل الجيوش الفاتحة, التي انطلق فرسانها عبر المسافات بسرعة البرق فوق صهوة جياد, امتازت قوة وتناسق جمالي يأخذ المشاهد إلى ماضي المعارك والبطولات, ومتداد المجد التليد.
ألوان من الفلكلور الشعبي تحييها جماعات مختلفة وأعيانها وعلية القوم فيها .
موسيقى وأبواق تملا المكان,وولائم فرجات أخرى لجماعات تحت أضواء المساء ,سرك,العاب بهلوانية,ولهو مع الثعابين وحلقات أخرى في علم التنجيم والتنبؤ بالغيب وقصص وحكايات وضحكات لمواضيع بسيطة ومستهلكة وثقافات جادة وأخرى رثة في فضاء موسم ملائم لها.
مفاهيم وتقاليد تأكدت في حياة الناس وارتبطت بالمكان لتبقى متداولة في الشعر والغناء وفكر المغاربة ولتأخذ طريقها إلى البيوت والمتاحف لتشكل تحف نادرة وثقافات من البناء والنحت والتصوير انطبعت على الصخور وعلى الورق والمعدن لتشهد على علاقة ربطت الإنسان بفرسه وتقاليده وبمكانه في أوقات الحرب والسلم لتبقى الفانتازيا بكل ما فيها من غرابة الفرجات وتنوع المفاهيم وتناقضها أحيانا ,فرح المغاربة ومبعث لتجمعهم واحتفالاتهم في أعيادهم ومناسباتهم وفنونهم التي انطبعت نقوش وأشكال فسيفسائية وتماثيل شهدت على عمق الامتداد التاريخي في صلب التاريخ ولتتأكد علاقة الإنسان بفرسه لتبقى محفورة على صخور الأرض المغربية.
سهام البيايضة