أي ماء .. أي وطن ..؟
قبل البدء
{ .. الذي وقع من صاري السفينة هل رأيته ؟
أنا قد رأيت
نادرا ً.. مسحوب الأوتاد ..
والذي مات موتاً فجائياً هل رأيت ؟
والمستلقي في فرات الليل يشرب ماء صافياً ..
والذي قتل في المعركة هل رأيته ؟
أبوه وأمه رافعا رأسه .. وزوجته تبكي عليه ..
هل رأيت الذي رُميت جثته في البرية ؟
هل رأيت الذي لم تجد روحه من يرعاها ؟
أنا قد رأيت .. } .
( من مرثية جلجامش – الملحمة )
( . )
أجلس ..
أجلس والصمتُ ..
أتفحص ذاك القلب،
أفلقه بالعينين كما الصدفة ..
لم أجد اللؤلؤ لكن الصدأ المالح
يسحبني للماضي وينادي الصوتُ
لأجلس ثانية أهمس للماء
فيرتد الزبد الآتي
من عمق البحر
(1 )
ألف ..
ألف ..ميم ٌ
ألف .. ميم .. ياء ْ ..
هذا اليم القادم / يوحي للشطآن / بعمق يخفي تحت عباءته الزرقاء /
أسرارا شتى .. بوجوه سوداء /
وبطعم رماد النار المنطفئة هذي الليلة ْ ..
( +1 )
نار فوق الماء ..
ماء فوق النار ..
يتمطى الليل ُ..
واللجة ما زالت تتمطى ..
أجساد كالجثث الحبلى تتمطى /
تتآكل في جوف البئر الشرقي ،
ما زالت حتى /
مل الدود تعفنها..
وعند وصيد البئر /
أحدهم يبسط كفين،
ينهش تلك العتمة،
يستنجد ببصيص سراج مكلوم /
فلا منجد ..!
لا شمسك يا سيْـد العتمة / الصوت يقولْ /
تزاور نحو يمين أو نحو شمال /
فلا هم منقلبون بشدق البئر / على بطن أو ظهر ..
تلاشت كل قواهم .. وقوانا ..!
لا قول الآن .. ولا فعل ..!
( . )
{ ما ضبحتْ عاديةٌ
.. ومغيرتنا نامت صبحا ..
ما ثار وراء سنابكها النقع ُ } (1)
( 2 )
عند البئر الشرقي
ألفُ خصي وخصي ..
لا تسمع إلا وشوشة ..
همهمة .. غمغمة ..
قد فات أوان الحكي المفهوم / يبقى الآن /
ظل ُ حديث أعمى / يتعارك مع أطراف الألسن حتى /
يخرج بحروف سوداء / معقوفة كالليل الأسود ..
فلتصمت يا هذا ..
وليصمت كل القوالين ..
إن الساحة في هذي الساعة /
بكل مآقيها ومعانيها /
والساكن فيها / .. ستكون /
كسوق السمك الميت كالموت /
تتساوى فيه الحالات جميعا ..
.. واحدة لا شية فيها:
يصطف القاتل بجوار قتيل
والظالم يتفاوض مع مظلوم / فيساومه على عورته ..
كل ينتظر اللحظات القصوى / حتى تنفطر الأشياء /
وتظهر ناصية العيب / تحملق عين ٌ في عين /
ورصاصة غدر / ما زالت / تنتظر ولوج العتمة ..
فأصحو كالصحو ْ ..
( 3 )
{ ما ثار فوق سنابكها النقع .. }
يأتي الصوت ..
فليجمع كلُ فريق كل قواه لمحصول الكرمة /
" فالمنطرة " خربت ْ / وهج الناطور /
لم تبق سوى الغربان على أعشاش وباء أسود /
تنعقُ ..
تنعق، فتهيج حساسين النرجس هولاً /
وتموت بعيداً عند الأسلاك الصلبة ..
( . + )
يلاعبنا صاحب ملعبنا:
" طاق طاق طاقية "
يصرخ صوت :
" أنا بلا هوية "
يلاعبنا
" رنْ .. رن يا جرس " ( 2)
يصرخ صوت :
" خنجر في ظهري انغرس "
لا الطاقية يحملها الرأس
لا حن ولا رن الجرسُ
لم يبق سوى خيطٌ من دمنا ..
يا دمنا ، في ملعبنا
هيا نلعب ..!
( 4 )
يا ورقي ويراعي
يا .. ألفي ، ميمي ،
يائي ودوائي /
يا أنوائي الملتجة /
يا صوتي .. يا أصدائي ..
ماذا قال الموال / الخارج من شق البئر ..؟
أقول، كان يقول:
كان يكون الموال
" يا جثة في خيالي ..! "
صارت تتدلى كالجثة فوق الجثة.. فوقي ..!
اسمعني يا أنت
سأغني موالي حتى أشبع
أضناني حرمانك لي / من خيط هواء أتنفسه
سأغني حتى أشبع من جوعي
من وجعي /
حتى أفك سياطك حولي
عن جسدي
روحي ..
إني أعرفك الآن / أتذكرك ..
أتفحص عينيك الشاحبتين /
الغائرتين / .. ملياً ..
أناديك
كنتُ وما زلتُ / أستشعر ساقيك المتدليتين
على كتفي كالدهر ..
أحسك كالغول على ظهري /
أجرك جراً ..
والوزن المثقل بهمومي يثقلني /
والوجع اليومي ينهك جسدي
المنهك بك ْ ..
( . + 1 )
...
لكنني
لا
كنْ
ني ..
لن أرجع ثانية
" حاجبا على باب الحزن " ( 3)
( 5 )
لماذا الصمت الآن ..؟
هذي جثتك الثكلى من روح عافتها /
منذ الفجر الأول /
حين تسربلت بمن حولك ومضيت /
سريت / بالوجه المشدود إلى وجعي /
ألفيت الشدق الأسود /
ألقيت عظامك وجراحي /
ونمت .. بقرب النوم الساكن /
في البئر الشرقي النائم ..!
لن أفتح ذاك الباب ..
أنا لست بحاجبه / لن أغلقه ..
سأفتح دفترك الأزرق / كزرقة دم فاسد /
لا فرق الآن /
بين الفرس المزهوة بالمجد / وبين أتان ْ ..
سيان الآن / ولا فرق
بين حديد أوخشب أو عود البان ْ /
لا فرق /
بين البقرة إياها / وبين الألواح المتكسرة
على أعتاب التيه الأول ..
فليذهب هؤلاء شتاتا ، موسى قال /
وقال براءته يوسف من دم الذئب ..!
( 6 )
ماذا قال الرب لإسرائيل ..؟ ( 4 )
هل حقا أن الأمم ستأتيها
كيف تشاء ..؟ ( 5 )
أم أن الزيف يطال الاشياء..؟!
( 7 )
عند البئر الشرقي
إني لا أقرأ ..
إني أسمع صمتا كالصمت ..
لا وشوشة ..
لا همهمة ..
لا غمغمة ..
صمٌ .. بكمٌ ، عمي ٌ
أعرفهم منذ شهيقي الأول /
منذ الختم السري القاحل أسفل ذاكرتي /
أعرف ماذا يضمر أكبرهم ،
أسمعه يحكي كالحكي:
{ الرحمة يا ناس . يقول / إني أغرق في دمي /
النجدة /
هذا حبل الطفل السري يطوق عنقي /
يتفجر دمه حولي /
من يحميني ..؟ }
( 1+ )
من أنت ..؟
يا الهارب من دمه ، دمنا ..
من أنت ..؟
يا القادم من عصر حجري /
خلفت وراءك قوما /
في جحر عصري ..!
يقول ، وأسمع حكياً كالقول :
من العصر الفحمي أنا /
أتنفس كل هواء القرية /
أجلدكم بسياط الدجالين /
أسرق كل الأحلام / كنت
وكنت / أنثر ثاني أو ثالث أكسيد الكربون ..!
( 8 )
{ يا لهاثي الذي نقر العتبات ْ
ويا بكائي / صحت بالكائنات
كلما / كوكب الذكريات ْ
هاج في خاطري ..} ( 6 )
فأصمت صمتا كالقول:
لا شية فيها تلك الساحة / هذي الساعة ..
غرناطة ، تهز بقصر الحمراء /
فيسّاقط نقشٌ يتلوى ألما / وأيام
حبلى بالحدث المتلاحق ،
وحكايات ..
لا تستدرج ما فاتْ
طارق قد عبر البحر ( 7 )
وأحرق كل مراكبه ..
قد يأتي الفتح /
قد لا يأتي /
قد يأتي ، لا يأتي / سيانْ
لا نملك هذي الساعة شيئا /
لا نملك إلا /
أرصفة الأحزانْ ..
...
يصيح ..
يصيح الصوت:
إني لا أسمع شيئا
إني لا أسمع ..
إني لا أسـ ..
إني لا ..
إنـ ..
( 9 )
صمتُ ..
سيد العتمة يصحو من غفوته / يومئ /
ننتظر طويلا، لكن / لم يتفسر قوله /
نسأل ذاك المرمي بجانبه في شدق البئر /
يطلب أن نفرح في كل مناسبة سوداء /
يسوق وعودا وهزائم تلعي النفس /
هو من نكسنا ودعانا للنسيان /
لم يعلم أن قبيلتنا /
من خير قبائل عالمنا في النسيان /
.. سيان /
أن نذكر أمس الأول أو هذا اليوم /
أو نذكر تلك الطفلة /
في حضن الجلاد القابع غير قصي .
هل نتذكر ..؟
.. كلا ، قال / لا توجع قلبي يا هذا .. /
حاول أن تنسى /
أن تنسينا أو تنسانا ..!
يقول الأول للثاني .. للعاشر، قولاً فصلاً:
سأحرمهم هذا الفرح المر المزمن /
نراه ينادي حاجبه بهزة حاجبه /
.. أن / أقبض هؤلاء القوم العطشى / الجوعى /
فرق بين مضاجعهم ومواجعهم /
قد شبوا، أحضنهم /
أعصرهم حتى يتفصد " أتخنهم " /
عرقا ودما / اعلن عن حبك هذا /
أحضنهم / أعصرهم حتى يكتمل العصر ..!
يقول :
ذوقوا هذا الحب "العصري" ..
ويقول اجعلهم في قرطاس /
بقارعة الوطن المنسي اتركهم /
لا باس /
قد يرجع معظمهم للرشد /
أو يجدوا بعض السيارة /
تلتقط الباقي منهم ..!
( + )
الدبور يزن على عشه ..!
الدبور يزنْ
لكن النحل يطنْ
ليقود الرحلة للزهر ..
وما صاح الديك الفجري، سوى للفجر ..
أحلم للتو/
فأراكم تأتون
خفافا وثقالاً
هل تأتون ...؟!
( 10 )
لا شية فيها الساحة /
فالوقت بلا متسع / لا جدوى لمناقب قوم /
اتكأوا حول وليمتنا /
كلٌ يهمز بمؤخرة الآخر / يلمز بالألفاظ الفخمة /
يقترب / قاب الشبرين وأدنى / صار /
يحك القصعة من أقرب شفة فيها /
يلوك .. يلوك / ويلفظ من آخر حنك /
بقايا عظام غضة /
ويصنع من جلد طفولتنا
قناعا يتلحفه
حين يقابلنا /
.. ويقبلنا ..!
( 11 )
يتململ صاحب ذاك الحفل ..
يصيح بوجه مكسو بالدهشة /
ينادي حاجبه ثانية /
.. ذاك يزوّق كل تفاصيل الوجه المرعب /
الآتي قسرا ليصول / يجول بكل خواطرنا /
ويطيب خاطرنا /
يعطينا الهمبرغر والهوت دوج /
ودخان سجائره المأزومة بالنار ..
آه .. يا ذا الدهشة /
ما أجملك، نقول / وأجمل ما فيك السادية /
هل تسمع عن غول مزارعنا /
ذاك المتربص بخراف القرية /
بدجاج القرية /
بصغار القرية /
بكبار القرية ..؟
هل تسمع عن ذاك المتربص /
بالجسد المرخي من الشريان إلى الشريان /
في العصب الاوسط /
ينهش كيف يشاء ْ /
لا يصرخ أحد في وجهه ..
لا أحد يغيث الآخر
كل نائم في جلد النوم ..
طوبى.. يصرخ أولهم /
طوبى للغرباء / في عتمة وطن ميت ْ ..!
( × )
هذا ابن مسيلمة الكذاب ْ
ينبئنا بتفاصيل الكذب المتوقع ..!
المستنبت من أصل مجهول /
لا يألو جهدا في شلح وريقة توت يابسة /
ليظهر سوأة دودتنا وحريرة رايتنا الثكلى ..!
( 12 )
{ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة ... } ( 8 )
يدخل النمل مساكنه
دخل النمل مساكنه
يدخل النمل ..
يدخل ..
ذاك الشق الشرقي ،
فتأتي أقدام الجند
تقترب كثيراً ..!
( . )
" شمخة " تأتي ( 9 )
شاردة تبحث في تيه عن وطن الماء ..
حتى اللحظة / مازالت تكشف عورتها /
تفتح ذاك الجسد العاري /
تغري سيد العتمة بكثير مفاتنها /
يأتي الصبح / و " أنكيدو " يحبو /
حتى صارت غزلان البرية /
تهرب من بين يديه / فتجئ الصحوة /
لكن .. / لا بارقة للريح ..
ولا عاصفة تنبئ عن مطر ..
شمخة / ما زالت في الزمن الموحل /
الموصل للغثيان /
فما عادت أشجار السرو لعادتها /
ولأخضرها الأخضر ..
( .. )
يضج الصوت :
بابل
بابل ما زالت
بابل ما زالت تفتقد حدائقها
ما زالت بابل تفتقد حدائقها والنهرين
بابل وحداقها والنهران/
كنهدين / يفتقدان العاشق والغيث
وشناشيل البصرة ما زالت /
تنتظر السياب / يلقي ثانية بالمرساة /
عند مرافئ جيكور /
ليسقي جيلان بدمع النخل ْ .. ( 10 )
( 13 )
ألف .. ميم ..
ألف .. هاء .. ْ
افتقد ، يا النائية الهدهدة َ على كفيك /
تقولين: ما أصعب زمن التيه / .. وما أسوأ من ثور حين يخور /
ما أسوأ من ضجر كلاب تعوي عند الفجر /
تبحث عن لحم تنهشه /
وتقولين / عليك بنفسك في زمن الأرقام الصعبة /
وعليك بما تقرأ حول جدار القلب /
من الحب أو التعب .
لا تثريب عليك الآن ..
إن كنت وحيدا / أو مت وحيدا ..
وحيدا ..
أنت وأنت .. ( 11 )
( .. )
ألف .. ميم .. ياء
يا الكنعانية /
يا من أرسمها فوق وريقات التين / في جذر الزيتون /
يا من تجلس قدام جدار
نبت عليه الحنون وزغب العشب /
أعانق كل حروف الدهشة فيك /
أودعها سراً /
من عنق الباحث عن ماء .. آت /
شاهدة كنت على كل مراحلنا /
أين أنا يا أماه /
يأكلنا كذب العالم /
والسخف الضارب أطنابه /
هل يكفي أن نعلم /
أن الرجل هو الرجل / والمرأة مرأة .؟ /
وبقايا كنعان معلقة
عند الأسلاك الوهمية /
تنتظر اللاشيء من اللاشيء ..
أين أنا .. نحن /
من الشريان النازف من جسد الامة /
لا يتخثر دمنا حتى اللحظة /
لا أحد يشد الكف على الجرح /
وقبائلنا يتنازعها القلق ونزع الخوف /
لا أحد يدندن موال العشق /
أو يكشف سر العاشق والمعشوق /
أو يرسم وشماً طينياً /
على ظاهر يدنا المرتعشة