مارية القبطية بنت شمعون رضي الله عنها.
- أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط يدعوه إلى
الإسلام، وكان حاطب بن بلتعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس،
فكان رد المقوقس على الرسالة : أما بعد، فقد قرأت كتابك وفهمت من ذكرت وما
تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً قد بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت
رسولك، وبعثت لك بجاريتين لهما مكان من القبط عظيم، وبكسوة، ومطية
لتركبها، والسلام عليك. وعاد حاطب إلى المدينة بكتاب المقوقس، مصطحباً معه
مارية، وأختها سيرين، وعبداً خصياً يدعى ( مابور )، وألف مثقال ذهباً،
وعشرين ثوباً ليناً من نسيج مصر، وبغلة شهباء اسمها (دلدل )، وجانباً من
عسل ( بنها، وبعض العود والمسك والند.(
- اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه مارية، ووهب أختها سيرين
لشاعره حسان، ووزع باقي الهدايا، وأنزل مارية في العالية، في مشربة أم
إبراهيم.
- أسلمت مارية وأختها سيرين، وضرب عليها الحجاب، ولم يكن لها هم إلا إرضاء
سيدها صلى الله عليه وسلم.
- وغدا تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العالية حيث تقيم مارية
ومكوثه الطويل لديها يثير غيرة نسائه .
- وزفت مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها حامل، فسر رسول الله
صلى الله عليه وسلم، واتهم المنافقون مارية في طهارتها، وقالوا : علج يدخل
على علجة، والمقصود ( مابور )، فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم علي بن
أبي طالب، روى البزار عن علي قال : كثر على مارية أم إبراهيم في قبطي ابن
عم لها، كان يزورها ويختلف إليها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
خذ هذا السيف فانطلق به، فإن وجدته عندها فاقتله )، قال : قلت : يا رسول
الله، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة للمحمّاة، لا يثنيني شيء حتى أمضي
لما أمرتني به، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ؟ قال : ( بل الشاهد يرى ما
لا يرى الغائب )، فأقبلت متوشحاً السيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما
رآني أقبلت نحوه عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقي، ثم رمى بنفسه على قفاه،
ثم شغر برجله، فإذا هو أجب أمسح، ما له قليل ولا كثير، فغمدت السيف، ثم
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال : ( الحمد لله الذي يصرف
عنا أهل البيت ( .
- وروى البزار عن أنس قال : لما ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم
من مارية جاريته، وقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم منه شيء حتى أتاه
جبريل فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم .
- وقال قائل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم منطلق إلى مولاته، فقال صلى
الله عليه وسلم : ( أعتقها ولدها (.
- ولما بلغ إبراهيم من العمر سنتين مرض مرضاً شديداً فأرسلت مارية إلى أبيه
حتى يراه، يقول أنس : لقد رأيته – أي إبراهيم – وهو يكيد نفسه، وهو في
النزع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدمعت عينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال : ( تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يُرضي
ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون (.
- وودعت مارية وحيدها وهي تردد : إنا لله وإنا إليه راجعون.
- وعاشت مارية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس سنوات، ففي سنة
ست عشرة للهجرة، وفي خلافة عمر بن الخطاب أسلمت أم إبراهيم روحها إلى
بارئها، فحشد الناس لجنازتها، ثم صلى عليها، ودفنها بالبقيع مع أمهات
المؤمنين رضي الله عنهن .