نذكر هنا إحدى
المواقف التي انطلق فيها الفرزدق ينظم أبيات من
الشعر لنصرة علي بن الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
أجمعين، والفرزدق هو أحد الشعراء المشهورين في العصر الأموي ومما ورد عن
هذه الواقعة مايلي:
يذكر أنه في أيام الحج ذهب هشام بن عبد الملك لأداء فريضة الحج في
أيام أبيه عبد الملك بن مروان، فقام بالطواف حول الكعبة المشرفة ولكنه
عندما أراد استلام الحجر الأسود لم يستطع بسبب الزحام الشديد وكان حوله
العديد من أهل الشام، وفي أثناء ذلك أقبل علي بن الحسين رضي الله عنه ولما
دنا من الحجر الأسود ليستلمه تنحى الناس عنه كنوع من الاحترام والهيبة له
حتى يستلمه بسهولة.
فما كان من هشام وصحبته إلا مشاعر الغيرة والغيظ التي تملكتهم وكان هذا
الحوار:
قال رجل من أهل الشام إلى هشام: من هذا الذي هابه الناس ؟
فرد هشام كاذباً قائلاً: لا أعرفه.
وسمع الفرزدق وقد كان واقفاً بالقرب منهم هذا الحوار فما كان منه سوى
أن انطلق قائلاً : أنا أعرفه ثم أسرع في إنشاد قصيدته لنصرة علي بن الحسين
فقال فيها:
هَـذا الَّـذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ
وَالـبَـيـتُ يَـعرِفُهُ وَالحِلُّ iiوَالحَرَمُ
هَـذا اِبـنُ خَـيـرِ عِبادِ اللَهِ iiكُلِّهِمُ
هَـذا الـتَـقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ iiالعَلَمُ
هَـذا اِبـنُ فـاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ
بِـجَـدِّهِ أَنـبِـيـاءُ اللَهِ قَد خُتِموا
وَلَـيـسَ قَـولُكَ مَن هَذا iiبِضائِرِهِ
الـعُـربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ iiوَالعَجَمُ
كِـلـتـا يَـدَيهِ غِياثٌ عَمَّ iiنَفعُهُما
يُـسـتَـوكَفانِ وَلا يَعروهُما iiعَدَمُ
سَـهـلُ الـخَليقَةِ لا تُخشى iiبَوادِرُهُ
يَـزيـنُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ iiوَالشِيَمُ
حَـمّـالُ أَثـقـالِ أَقوامٍ إِذا iiاِفتُدِحوا
حُـلـوُ الـشَـمائِلِ تَحلو عِندَهُ iiنَعَمُ
مـا قـالَ لا قَـطُّ إِلّا فـي iiتَشَهُّدِهِ
لَـولا الـتَـشَـهُّدُ كانَت لاءَهُ iiنَعَمُ
عَـمَّ الـبَـرِيَّةَ بِالإِحسانِ iiفَاِنقَشَعَت
عَـنـها الغَياهِبُ وَالإِملاقُ iiوَالعَدَمُ
إِذا رَأَتـهُ قُـرَيـشٌ قـالَ قـائِلُها
إِلـى مَـكـارِمِ هَـذا يَنتَهي الكَرَمُ
يُـغضي حَياءً وَيُغضى مِن iiمَهابَتِهِ
فَـمـا يُـكَـلَّـمُ إِلّا حـينَ يَبتَسِمُ
بِـكَـفِّـهِ خَـيـزُرانٌ ريحُهُ iiعَبِقٌ
مِـن كَـفِّ أَروَعَ في عِرنينِهِ iiشَمَمُ
يَـكـادُ يُـمـسِـكُهُ عِرفانُ راحَتِهِ
رُكـنُ الـحَـطيمِ إِذا ما جاءَ iiيَستَلِمُ
الـلَـهُ شَـرَّفَـهُ قِـدمـاً وَعَظَّمَهُ
جَـرى بِـذاكَ لَـهُ في لَوحِهِ iiالقَلَمُ
أَيُّ الـخَـلائِـقِ لَيسَت في رِقابِهِمُ
لَأَوَّلِــيَّـةِ هَـذا أَو لَـهُ iiنِـعَـمُ
مَـن يَـشـكُرِ اللَهَ يَشكُر أَوَّلِيَّةَ ذا
فَـالـديـنُ مِن بَيتِ هَذا نالَهُ iiالأُمَمُ
يُـنمى إِلى ذُروَةِ الدينِ الَّتي iiقَصُرَت
عَـنـها الأَكُفُّ وَعَن إِدراكِها القَدَمُ
مَـن جَـدُّهُ دانَ فَـضلُ الأَنبِياءِ لَهُ
وَفَـضـلُ أُمَّـتِـهِ دانَـت لَهُ iiالأُمَمُ
مُـشـتَـقَّةٌ مِن رَسولِ اللَهِ iiنَبعَتُهُ
وَفَـضـلُ أُمَّـتِـهِ دانَـت لَهُ iiالأُمَمُ
يَـنشَقُّ ثَوبُ الدُجى عَن نورِ غُرَّتِهِ
كَالشَمسِ تَنجابُ عَن إِشراقِها iiالظُلَمُ
مِـن مَـعـشَرٍ حُبُّهُم دينٌ وَبُغضُهُمُ
كُـفـرٌ وَقُـربُـهُمُ مُنجىً iiوَمُعتَصَمُ
مُـقَـدَّمٌ بَـعـدَ ذِكـرِ اللَهِ ذِكرُهُمُ
فـي كُـلِّ بِـدءٍ وَمَختومٌ بِهِ iiالكَلِمُ
إِن عُـدَّ أَهـلُ الـتُقى كانوا iiأَئمَّتَهُم
أَو قيلَ مَن شَيرُ أَهلِ الأَرضِ قيلَ هُمُ
لا يَـسـتَـطـيعُ جَوادٌ بَعدَ iiجودِهِمُ
وَلا يُـدانـيـهِـمُ قَومٌ وَإِن iiكَرُموا
هُـمُ الـغُـيوثُ إِذا ما أَزمَةٌ أَزَمَت
وَالأُسـدُ أُسدُ الشَرى وَالبَأسُ مُحتَدِمُ
لا يُـنقِصُ العُسرُ بَسطاً مِن iiأَكُفِّهِمُ
سِـيّـانِ ذَلِكَ إِن أَثرَوا وَإِن عَدِموا
يُـسـتَـدفَعُ الشَرُّ وَالبَلوى iiبِحُبِّهِمُ
وَيُـسـتَـرَبُّ بِـهِ الإِحسانُ iiوَالنِعَمُ
غضب هشام بن عبد الملك بن مروان من قصيدة الفرزدق وأمر باعتقاله
وإيداعه أحد السجون، ولما علم علي بن الحسين بذلك أرسل للفرزدق أثنى عشر
ألف درهم، فقام الفرزدق بردهم وقال: إني لم أقل ما قلت إلا غضباً لله
ورسوله، و لا آخذ على طاعة الله أجراً، وقام بإعادتها، فقام علي بإرسالها
إليه مرة أخرى قائلاً نحن أهل بيت لا يعود إلينا ما أعطينا. فقبلها
الفرزدق.