تفطير الصائمين

أ. د. أحمدبن عبد الله الباتلي


إن تفطير الصائمين فيه أجر عظيم ، وثواب جزيل، وإطعام جائع ، ومواساة
مسكين، فينال مثل أجر غيره من الصائمين ، فيشعر الفقير بالمواساة والرحمة
من إخوانه المسلمين، الذين يحققون جانبًا من جوانب التكافل الاجتماعي بين
الصائمين ، حينما تراهم في المساجد مجتمعين لتناول طعام الإفطار ، فيأكل
مثل ما يأكل غيره، ويشرب مثل شرابهم، فكأنهم سواء في تراحمهم.
فضل من فطر صائماً :
ويعتبر تفطير الصائمين في رمضان غنيمة من غنائم هذا الشهر المبارك إذ يحظى
من فطر صائماً بالأجر الوارد في الحديث فعن زيد بن خالد الجهني قال: قال
رسول اللهصلى الله عليه وسلم : « من فطر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه
لا ينقص من أجر الصائم شيئًا » رواه الترمذي .
وفي رواية للطبراني : « من فطر صائماً أطعمه وسقاه، كان له مثل أجره ،
غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا » (1) فدلت رواية الطبراني على فضل
تفطير الصائم بالطعام والشراب.
فهنيئًا لك أيها الصائم تنال مثل أجر من فطرته ، فكيف بمن فطر عشرات بل
مئات الصائمين.
وصايا عند تفطير الصائمين :
أوصي إخواني عند تفطير الصائمين بما يلي:
أولاً: الحرص على الإخلاص ، وابتغاء وجه الله تعالى في تفطيرهم للصائمين،
وعدم المباهاة والرياء فإن ذلك يحبط العمل.
والمسلم في كل عباداته مخلص لله ، قال ـ عز وجل( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (البينة:5)
ويرجو ثوابه في إطعامه للصائمين قال تعالى: ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ
لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) (
الإنسان:9)
ثانياً: الحرص على تقديم الأطعمة والأشربة الجيدة التي تناسب الصائمين ،
ليكون قد قام فعلاً بتفطير الصائمين.
أما ما يفعله بعض الناس ـ هداهم الله ـ من إرسال بقايا الطعام، أو تقديم
وجبات غذائية ليست من الطعام المعروف في البلد، أو يقدم الأطعمة التي أوشكت
صلاحيتها على الانتهاء، فهذا أمر لايجوز، وقد قالصلى الله عليه وسلم : «
لا يُؤْمِنُ أَحدُكُمْ حتى يُحِبَّ لأًّخِيه ما يُحِبُّ
لِنَفْسِهِ » (2)
وعن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً »
(3)
وقد قال تعالى : ( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا
تُحِبُّونَ ) (آل عمران : 92 )
فلا تبخل بمالك أخي الصائم، وتصدق بأجود الطعام والشراب على إخوانك
الصائمين.
ثالثاً: عند تفطير الصائمين في المساجد لا بد من مراعاة آداب
المساجد،والمحافظة على نظافتها ، وتهيئتها للمصلين ، فيكون تناول الإفطار
في مكان مجاور للمسجد، أو في مصلى النساء الخلفي لئلا يؤثر على مكان الصلاة
، ويضايق المصلين.
والحرص على جمع بقايا الطعام في الأماكن المخصصة لها ولنستشعر مكانة بيوت
الله في نفوسنا، ولنحرص على تنظيفها وتطييبها.
رابعاً: إذا رغب أحد في تفطير بعض الصائمين في بيته سواء كانوا من أقاربه
فإن ذلك من صلته لرحمة، وإن لم يكونوا من أقاربه فذلك من حقوق المسلم على
أخيه المسلم، قال ـ صلى الله عليه وسلم : « افشوا السلام، وأطعموا الطعام،
وصِلُوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (4) وذلك ما
يزيد في رابطة الأخوة ، ويزيد المودة والألفة، باجتماعهم، على وجبة
الإفطار.
ولكن لا ينبغي الإسراف في تقديم ألوان الطعام والشراب ، والمبالغة
والتبذير في شراء أصناف الحلويات ، كما قال صلى الله عليه وسلم :«مَا مَلأَ
آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ
يُقِمْنَ صُلْبَهُ. فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ
لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ»(5)
ولنعلم أن الإسراف منهي عنه في قوله تعالى وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ
تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف 31) وذلك مدعاة
لتفاخر الأقارب بعضهم مع بعض في ولائم الإفطار، فكل يزيد على من سبقه ،
وتلك عبادة فلا نحولها إلى مباهاة وتفاخر في المطاعم والمشارب.
خامساً: أن يحرص قبل تناول الإفطار على الإكثار من الأذكار ، فنكثر من
الدعاء ، كما قال ? : «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا
تُرَدُّ». (6)
وليبدأ بما ورد عن المصطفىصلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أفطر قال " «
ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأجْرُ إنْ شَاءَ
الله».(7)
وفي حديث آخر أن رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ إذا أفطر قال: «
اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ» ( وفي روايه عن ابن
عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اذا
افطر يقول: « اللهم لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا ، إنك أنت
السميع العليم » (9)
سادساً: ينبغي لهم الدعاء لمن دعاهم بعد الافطار بقولهم : « أفْطَرَ
عَنْدَكُم الصَّائِمُونَ، وَأكَلَ طَعَامَكُم اْلأبْرَارُ، وَصَلَّتْ
عَلَيْكُم المَلاَئِكَةُ». (10)
«اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي. وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي» (11) ،
وذلك أن شكر الناس خلق إسلامي كريم ، يدل على الوفاء والتقدير لمن أحسن
إلينا ، و « من لا يشكر الناس لا يشكر الله »(12).
سابعاً: ولنحذر عند الجلوس لتناول طعام الإفطار من مشاهدة القنوات
الفضائية التي تبث برامج تتنافى مع هذا الشهر الكريم، ولنحرص على أن تكون
مجالسنا عامرة بذكر الله تعالى وتلاوة كتابه الكريم ، فإن ذلك سبب لتكثير
الحسنات، وتكفير السيئات، وتذكر أخي المسلم الكريم أنك في شهر عظيم ولا
تدري أتدرك رمضان القادم أم يقبض روحك ملك الموت؟!! وإن كان ولا بد فعليه
مشاهدة القنوات الإسلامية التي تبث البرامج الهادفة والفتاوى النافعة.
واحمدِ الله أخي المسلم على نعمة الصحة والعافية ولا تضيع أوقاتك فيما لا
خير فيه ، فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه..وفق
الله الجميع لما يحب ويرضى...
الهوامش :
(1) الترمذي (807) وقال:حديث حسن صحيح. والطبراني في الكبير ( 5269) وصححه
ابن حبان (3391) .
(2) البخاري (13) أحمد 7/ 64 والترمذي (2565) والنسائي (5000)
(3) مسلم (2299) أحمد (2/ 628) الترمذي (3083).
(4) أحمد 6/631 والترمذي (2534) وصححه ، وابن ماجه (1375) وصححه الحاكم
(4283) .
(5) أحمد 5/117النسائي (6769) وابن ماجه (3349) وصححه ابن حبان (652)
وحسنه ابن حجر ( فتح الباري 9/528
(6) ابن ماجه (1806) قال البوصيري : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ( مصباح
الزجاجة2/81) .
(7) أبوداود ( 2358) من حديث ابن عمر. قال الشوكاني (نيل الأوطار 2/ 286) "
ورواه أبو داود والنسائي والدارقطني والحاكم .. قال الدارقطني: إسناده
حسن. اهـ
( أبوداود (2359) والبيهقي (7923) من حديث معاذ بن زهرة ، قال ابن حجر
(التلخيص الحبير 2/202) .
وهو مرسل .اهـ
(9)الدارقطني 2/185 والطبراني في الكبير12 / 146 رقم 12720 قال الهيثمي
(المجمع 3/156) : رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد الملك بن هارون وهو
ضعيف .اهـ قال ابن حجر ( التلخيص الحبير 2/202 ) : رواه الطبراني في
الكبير والدارقطني من حديث ابن عباس بسند ضعيف.اهـ
(10) أحمد 3/565 وأبوداود (3854) واللفظ له، والنسائي (6901) والدارمي
(1776) والبيهقي (7924) وغيرهم من حديث أنس
(11) قال ابن حجر( التلخيص الحبير3/199) : إسناده صحيح.
(12) مسلم (5318) .


منقول من مجلة الجندي المسلم