في شهر رمضان المبارك تعمر موائد الصائمين في بلاد
المسلمين بشتى ألوان الطعام، ولاشك أنَّ الموائد تختلف من بلد إلى آخر بحسب
عادات الشعوب وتقاليدهم،,ولكن هناك قاسم مشترك نراه في أغلب الموائد
الرمضانية شرقا وغربا وهو الرطب أو التمر فيحرص المسلمون على الابتداء
بالتمر تأسيا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث حث الرسول الصائمين في
رمضان أن يجعلوا بدء فطورهم الرطب أو التمر
فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على
رطبات قبل أن يصلي..
وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان صائماً لم يصل حتى
نأتيه برطب وماء..
ففي الجامع الصحيح "كان إذا كان الرطب لم يفطر إلا على الرطب وإذ لم يكن
الرطب لم يفطر إلا على التمر..
وقد أحتار العلماء والمفسرون قديما وحديثا في سبب ذلك واستنبط الكثير منهم
أسبابا عديدة فبعضهم قال إن الرطب والتمر فاكهتان مباركتان وقال آخرون لأن
الرطب والتمر من الفاكهة الحلوة التي تعطي الجسم القوة والنشاط في سرعة
فائقة ومنهم من قال:أنهما يقويان النظر ومنهم من قال غير ذلك .
ذكر ابن حجر في الفتح الباري ما يلي:
"والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم
ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به المنام ويرق به القلب وهو أيسر من
غيره ومن ثم استحب بعض التابعين أنه يفطر على الحلو مطلقا كالعسل رواه بن
أبي شيبة عن معاوية بن قرة وبن سيرين وغيرهما..
قال ابن القيم" في فطره عليها تدبير لطيف فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء
فلا يجد الكبد منها ما يجذبه ويرسله إلى القوى والأعضاء فيضعف والحلو أسرع
شيئا وصولا إلى الكبد وأحبه إليها سيما الرطب فيشتد قبولها فتنتفع به هي
والقوى فإن لم يكن فالتمر لحلاوته وتغذيته فإن لم يكن فحسوات الماء تطفى ء
لهيب المعدة وحرارة الصوم فتنتبه بعده للطعام وتتلقاه بشهوة..
وقد ذكر البجيرمي: "فإن قلت ما الحكمة في استحباب التمر قلت لما في الحلو
من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم وهو أيسر من غيره..
أما العلماء المعاصرون فلم يخرجوا عما نقله لنا الأقدمون لكنهم استفاضوا في
الحكمة من ذلك ومنهم د. صبري القباني صاحب الكتاب الشهير "الغذاء لا
الدواء" إذ يقول:
"فالصائم يستنفد في نهاره عادة معظم وقود جسده، أي: يستنفد السكر المكتنز
في خلايا جسمه، وهبوط نسبة السكر في الدم عن حدها المعتاد هو الذي يسبب ما
يشعر به الصائم من ضعف وكسل وزوغان في البصر وعدم قدرة على التفكير
والحركة؛ لذا كان من الضروري أن نمدّ أجسامنا بمقدار وافر من السكر ساعة
الإفطار، فالصائم المتراخي المتكاسل في أواخر يوم صيامه، تعود إليه قواه
سريعاً ويدب النشاط إلى جسمه في أقل من ساعة إذا اقتصر في إفطاره على
المواد السكرية ببضع تمرات مع كأس ماء أو كأس حليب، وبعد ساعة يقوم الصائم
إلى تناول عشائه المعتاد، ولهذا النمط من الإفطار ثلاث فوائد:
1- أن المعدة لا ترهق بما يقدم إليها من غذاء دسم وفير، بعد أن كانت هاجعة
نائمة طوال ثماني عشرة ساعة تقريباً، بل تبدأ عملها بالتدريج في هضم التمر
السهل الامتصاص، ثم بعد نصف ساعة يقدم إليها الإفطار المعتاد.
2- أن تناول التمر أولاً يحد من جشع الصائم، فلا يقبل على المائدة ليلتهم
ما عليها بعجلة دون مضغ أو تذوق.
3- أن المعدة تستطيع هضم المواد السكرية من التمر خلال نصف ساعة... فيزول
الإحساس بالدوخة والتعب سريعاً
أما الدكتور عبد الباسط محمد سيد فيقول: " فالتمر غني بالسكريات الأحادية
التي تعطي سعرات حرارية عالية في فترة زمنية قصيرة لسهولة هضمه وامتصاصه،
لذلك أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الصائمين أن يبدؤوا إفطارهم برطب أو
تمر لكي يعوضوا ما فقدوا من سكريات في يوم صيامهم... وقد أوضحت الدراسات
العلمية والطبية الحديثة صحة وفاعلية ما نصح به الرسول صلى الله عليه وسلم
الصائمين عن بدء إفطارهم..
" والأطباء عادة ينصحون الصائمين الذين يشعرون بالدوخة والتراخي وزوغان
البصر ينصحونهم بتناول بضع تمرات عند غفطارهم فتزول عنهم تلك الدوخة خلال
نصف ساعة من تناولهم للتمر..
وخلاصة القول: إن الصحابة الكرام والتابعين ومن تبعهم فسروا الأحاديث
السابقة تفسيرا قريبا مما فسره العلم الحديث وبينوا فوائد الرطب والتمر في
الصيام وذكروا الفوائد من تجارب مرت معهم ومع غيرهم ولم ينسوا ذكر بركة
التمر بسبب حرص رسول الله على ادخاره" بيت لا تمر فيه جياع أهله..
وأما علماء اليوم فقد ذكروا أنَّ تناول التمر قبل دخول أي طعام لجسم
الإنسان ولا سيما بعد الصوم له فوائد عظيمة منها إن الصائم يعتريه نقص بعض
أنواع من السكاكرالتي تمده بالطاقة وكذلك بعض العناصر الحيوية الهامة التي
بتغيرها في الإفطار والسحور بالبدائل الغذائية تعد نعمة من الله لتنقية
الجسم وتطهره بالصوم وكأنها تغيير زيت السيارة مثلاً .
والتمر سريع الهضم والامتصاص خلال ساعة من تناوله مما يسرع في إمداد الجسم
بالطاقة وتعويضه بالعناصر المعدنية والفيتامينات والكربوهيدرات مع ما يقوم
به التمر إثر ما به من مواد سلليوزيه تساعد المعدة على عملياتها الهضمية
وكذلك تنظيفها وتطهيرها .
إن نقص نسبة السكر في الجسم أثناء الصيام هي التي تسبب الإحساس بالجوع
وليست قلة الطعام والشراب هي سر ذلك ولذا كان السر في الإفطار بالتمر وكذلك
السحور وخاصة أن سكر الفركتوز يعوض السكر المحترق في الدم نتاج الحركة
وبذل الجهد فلا يفتر الصائم ولا يتعب ناهيك عن أنه يقوي الكبد والقلب والدم
لما يحتويه من منجم معادن سهلة وسريعة الامتصاص فخلال ساعة يهضم التمر
كالعسل ، وصدق رسول الله الذي نبّه أمته إلى هذه الفوائد الصحية قبل أن
يكتشفها العلم الحديث...