بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة..
(هاني) طالب بإحدى الجامعات التي تنتشر على رقعة العالم العربي، وهو
يعشق الجواهر بشدة، ونظرا لحالته المادّية الصعبة فهو لا يستطيع اقتناء
جوهرة ترضي
غروره، لذا فهو ضيف دائم على الحفلات الصباحية لدور السينما التي تعرض ما
لذّ وطاب
من أصناف وأشكال الجواهر، وأجدني في غنًى عن القول بأنه كان في سبيل ذلك
يتهرب من
المحاضرات الصباحية؛ لكن أحيانا ما يجده زملاؤه في الحرم الجامعي قبيل بدء
موعد أول
محاضرة بنحو ساعة كاملة، لكنهم لا يدركون أنّ صديقا له جلب مجلة متخصصة في
نشر صور
الجواهر التي يبهج منظرها (هاني)..
كان (هاني) هذا يستاء بشدة من تلك الجواهر التي يحرص أصحاب المعارض على
تغطيتها
بخميلة رقيقة من أجود أنواع الحرير ويزداد استياؤه من تلك الجواهر اللواتي
زودْن
بجهاز إنذار يعمل تلقائيا عند اقتراب أي جسم غريب من دائرة نصف قطرها
30سم..
ذات يوم، قرّرت إدارة الجامعة أن توفر للطلاب فرصة لا يحلمون بمثلها، فتم
عرض أثمن
وأجمل جوهرة في العالم للطلاب في مكان بارز بالحرم الجامعي، وسط حراسة
مشددة..
كان الطلاب يحرصون على إمتاع أعينهم برؤية هذه الجوهرة على الأقل مرتين
يوميا..
والبعض – مثل هاني- أصبح يتسلل لا لخارج أسوار الجامعة، بل إلى حيث مكان
عرض
الجوهرة الثمينة..
للوهلة الأولى؛ سال لعاب (هاني) للجوهرة مما أوحى له بـخطة شيطانية، فكلما
قابل
شخصا عبّر له عن تضايقه من وجود الحراسة المشددة ودلالتها السيئة على وجود
جدار
وحاجز من عدم الثقة بين الإدارة الجامعية وبين الطلاب، لاقت الفكرة رواجا،
وأيد
السذّج الفكرة على أساس أنّ وجود الحراسة قد يكون أمرا يسئ لسمعة الجامعة
في الخارج
لما تعنيه الحراسة من وجود خوف ولو ضئيل لدى الإدارة من تعرض الجوهرة
للاختفاء بفعل
أحد الطلبة، وقد رُفع الأمر للإدارة التي أيدت الفكرة ودرجت في تنفيذها
وشكر صاحبها
لأنّه كان سباقا في كسر حاجز الروتين والعادات والتقاليد البالية التي
تقيّد جوهرة
ثمينة كهذه من أن يستمتع برؤيتها –عن قرب- ولمسها الطلاب الجامعيون
المثقفون، وقد
عارض هذا القرار بشدّة الموكلون بحراسة الجوهرة لكن اعتراضاتهم ذهبت أدراج
الريّاح
خصوصا مع قيام سفير الولايات المتحدة بـتفسير عصيان الحراس على أنّه تكريس
للهيمنة
الأمنية ومحاولة من الحراس للاستفادة من مناصبهم، فما كان من الحرّاس إلا
أن رفعوا
الأمر إلى القيادات الأمنية التي بدأت تعقد اجتماعات لتدارس الوضع في إدراك
تام
لخطورته، لكن كانت هنالك على الجانب الآخر جهة أوروبية-أمريكية مشتركة تخطط
لأعمال
إرهابية إجرامية تنطلق متزامنة مع بدء الاجتماعات الأمنية بخصوص موضوع
حراسة
الجوهرة، وكان المنفذون المجرمون يرتدون نفس الزي الذي يرتديه رجال حراسة
الجوهرة
الأشدّاء، وهنا علا صراخ وعويل (ٍهاني) ورفاقه بضرورة المسارعة برفع
الحراسة عن
الجوهرة خوفا عليها من الحراس الإرهابيين، وقد أيد جهود (هاني) ورفاقه
الأمين العام
لهيئة الأمم المتحدة حيث لفت الأخير نظر الجامعة إلى أنّ وجود حراسة على
الجوهرة
يعرّض سمعة الجامعة والدولة لخطر داهم..
وفي يوم مشهود، تمّ تنفيذ القرار برفع الحراسة، وسط دموع ما تبقى من
الحراس؛ الذين
استشهد عدد منهم في سبيل حماية الجوهرة، وكان السلاح المستخدم ضدهم هو رصاص
الكلمات
المفبركة ورشاش الحوارات الصحفية المختلقة والاتهامات الملفقة..
وقد سُرّ (هاني) بتنفيذ قرار رفع الحراسة، ذلك أنه حرص على أن يتم ذلك قبل
أن يألف
الطلاب منظر الجوهرة فيعرضوا عن الاستئناس بها..
سارع (هاني) بأخذ الجوهرة لتلميعها، بعد أن أقنع المتواجدين بقوله، وبالفعل
أبقاها
لديه ليلتين ثم أعادها وهي أكثر لمعانا من ذي قبل، ولم يكونوا ليدركوا أنّ
ما يفعله
(هاني) إنما هو إزالة الطبقة الخارجية من سطح الجوهرة، وكلما تعرضت الجوهرة
لعوامل
التعرية أخذها (هاني) إلى بيته وشارك هو ورفاقه في إزالة الطبقة الخارجية
عنها،
وكان اللمعان مع الإضاءة المبهرة يلهيان الكثيرين عن الانتباه لتضاؤل حجم
الجوهرة!
إلا أنّ بقايا الحراس لم تكن قلوبهم ميالة لما هب ودب من الجواهر، لذا فقد
ارتدوا
أحدث مصابيح الرؤية الخاصة، وكشفوا أمام الرأي العام تضاؤل حجم الجوهرة رغم
ازدياد
تلميعها.. وبدأ كل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة يتهامسون ويتكلمون،
وينتقدون، ويراجعون أنفسهم، وبدا وكأنّه الطوفان القادم لا محالة لإعادة
الجوهرة
إلى حجمها الطبيعي..
إنّ الجوهرة لم تستفد من إلغاء الحراسة بل إنها أضحت عرضة لأن ينظر إليها
كل من هبّ
ودبّ!
الحديث عن المرأة هو حديث عن كلّ غالٍ نفيس، لذا أدعوكم لنحلّق سويا في
عالم
الخيال، ولنتخيل جامعة عربية تُــقَــرِّرُ أن تعرض أجمل وأثمن جوهرة في
العالم في
صندوق زجاجي لتكون في مدخل الجامعة، ما الذي سيحدث؟؟ سيحرص الطلبة
والطالبات كلّهم
على أن يمتعوا أعينهم برؤية هذه الجوهرة الثمينة مرتين في اليوم -على
الأقلّ-،
مرّةً أثناء الدخول للحرم الجامعي، وثانية عند خروجهم بعد انتهاء الدوام
الرسمي،
هذا إن لم يتسلل بعضهم خلسة من المحاضرات ليتأمل جمال تلك الجوهرة!
تخيلوا معي أنّ مذيعا تلفزيونيا شهيرا اقترب بحذر من أحد المتسللين وقال
له:
المذيع: لم يا بنيّ تترك محاضرات العلم والفائدة؟؟
الطالب المتسلل: إنه الحبّ يا سيدي! إنّ هذه الجوهرة رائعة الجمال حقا ولم
يكن لي
أن أرى حتى اسمها لولا أنْ سُمح بعرضها للناس، إنّي أكاد أهيم بجمالها، بل
إنني
أطالب بضرورة إتاحة الفرصة لكل طالب للانفراد بهذه الجوهرة كلّ على حدة!
بعد بضعة أسابيع، انخفضت حدة ظاهرة التسلل من المحاضرات وعادت لمعدلاتها
الطبيعية
وأصبح من النادر رؤية طالب يقصد الجوهرة، بل إن الطالب المستجد لا يُعرف
إلا بوقوفه
مشدوها أمام الجوهرة!
لفت هذا الأمر المذيع التلفزيوني الشهير وعزم على أن يعود للجامعة وينجز
تقريرا عن
سر هذا العزوف المفاجئ:
المذيع: السلام عليكم، يا هل ترى ما هو سر
قلة زوار الجوهرة؟
نفس الطالب المتسلل سابقا: مساء الجواهر،
حسنا، هذه ثالث مرة آتي فيها إلى هنا،
ولست مستعدا لتجشم عناء المجيء للمرة الرابعة، فقد مللت منظر هذه الجوهرة
السخيفة..
المذيع [مقاطعا]: عفوا ، ألا تعتبر ما قلتَه
إهانةً لمثل هذه الجوهرة الجميلة؟؟
الطالب المتسلل سابقا: أي جمال يا هذا، أقول
لقد سئمت، لقد مللت من منظر هذه
الجوهرة، ليبحثوا لنا عن غيرها، فالتجديد مطلوب.
المذيع: حسنا، ولم لا تقتني واحدة من حرّ
مالك؟
الطالب المتسلل سابقا: ويحك أجننت يا هذا؟ من
أين لي بنفقات شراء جوهرة، أنا صعلوك
لا أجد ثمن سيجارة، ثم إن شراء الجوهرة يستلزم وضعها في مكان مؤمّن بعيدا
عن الأعين
والأيدي، وهذا أمر لا أستطيع أن أحققه للجواهر..
المذيع: إذا فأنت ضيف دائم على معارض
الجواهر؟؟
الطالب المتسلل سابقا: نعم في الواقع، ومما
يشجعني أنّ بعض المعارض تتيح لك استئجار
الجوهرة لبضعة أيام ومن ثم إرجاعها لصاحبها!
المذيع: ألا يعد هذا حطا من قيمة الجوهرة؟؟
الطالب المتسلل سابقا: كثيرون يفعلون هذا ثم
إنّ أبي وعمي وكل أقربائي يفعلون هذا،
فلم أتعب نفسي وأفكر وأنتقد؟
المذيع: بعض الناس يغفل عن جواهره، فتجد هذه
الجواهر تنجذب نحو الأسواق مباشرة، ما
رأيك في هذه الظاهرة؟؟
الطالب المتسلل سابقا: نعم، الأسواق فرصة
عظيمة لرؤية الجواهر دون الخمائل
الحريرية، لكنّ البعض لا يزالون يعرقلون خططنا في هذا المجال بدعوى الأمر
بالمعروف
والنهي عن المنكر [يرتجف]
المذيع: ما لي أراك مرتجفا يا هذا؟
بالمناسبة، هلا عرّفت المشاهدين باسمك في ختام
لقاءنا هذا؟
الطالب المتسلل سابقا: أبدا، كل ما في الأمر أنّ غريزة حب الجواهر تكبحها
كلمة
(أمر بمعروف/نهي عن منكر)، لذا أفضل الابتعاد عنها وعن كل ما يوصلني إليها،
على كلّ
فإن اسمي هو (هاني) وتجدني إما في الفندق وإما في السوق وإما في WC.
[[القصة فالخاطرة أهديهما للذين لا يدركون أنّ المرأة جوهرة ثمينة، إن عرضت
للعامة
فقدت جمالها وبريقها، وإن صانت نفسها باتباع أحكام الشريعة الغراء أضحت
ملكةً غير
متوّجة]]
ورد في حديث يروى فيه عن الرسول صلى الـله عليه وسلم أنه قال
« أحب من دنياكم
ثلاث: الطيب، والنساء، وقرة عيني في الصلاة
» فالمرأة كالصلاة إيمان وطهر وهي
كالطيب
إنعاش وسكون نفس!
كثيرا ما نرى ونقرأ اعتراضات من هنا وهناك على ربة المنزل (الزوجة التي لا
تعمل)،
رغم أن دورها لا يقل أهمية عن الدور الذي تلعبه الطبيبة أو المعلمة،
فـالمرأة التي
آثرت الاهتمام والعناية ببيتها وفلذات أكبادها وبرفيق دربها تستحق منا كل
التقدير
والاحترام والإجلال، إنّ هذا الدور – أعني دور الأمومة والتربية- قد تعرض
في الآونة
– ولا يزال- لهجمة شرسة على كافة المستويات الإعلامية، فالأعمال الدرامية
والأفلام
السينمائية لم تقدم لنا نموذجا واحدا لامرأة فضّلت – عن اقتناع- بيتها عن
العمل
ومتاعبه، فالملاحظ أن الدراما تحرص على تسليط الضوء على المهندسة والمذيعة
والموظفة
والسكرتيرة، ويندر – ولا أبالغ لو قلت ويستحيل- أنْ تجد عملا دراميا يشعر
المتلقي
بأهمية دور الأم التربوي والعاطفي والنفسي، بل ويزداد الأمر سوءا إذا علمنا
أنّ دور
الأم كثيرا ما يظهر بشكل ينفر المشاهد – أو بالأحرى المشاهدة- من عبء هذه
المهمة
السامية، فنجد تطويلا في مشاهد الولادة وآلام المخاض، ونجد مبالغة في تصوير
متاعب
الأبناء ومشاكلهم، ونجد تهويلا لحجم الكاهل الملقى على عاتق رب الأسرة
وخصوصا
التزاماته المادية.
كثيرون ينكرون على الزوجة إذا آثرت البقاء في مملكتها لتربية الأولاد
والعناية
بشؤون المنزل، ونقرأ بين الفينة والأخرى تعليقات ساخرة تقلل من شأن هذه
الزوجة بل
وتحقرها في بعض الأحيان على أساس أن هذا يضاد حقوق المرأة ويقلل من شأنها..
على الجانب الآخر، لم نجد شخصا أو هيئة يعترض أو يتذمّر من اللواتي يعملن
بصفتهن
(خادمات) أو (شغالات) في البيوت، صحيح أننا نجد تشديدا على أهمية حفظ
حقوقهن وعدم
تعرضهن لأية مضايقات من أي نوع من المقيمين في المنزل، لكن فيما عدا ذلك
فإننا لا
نرى أي تحفظ أو اعتراض على هذه (المهنة)..
في حين نجد العويل والبكاء على تلك الزوجة المسكينة التي بقيت في بيتها
تربي
أولادها وتنشئ جيلا جديدا يسهم في تحقيق النهضة التي تنشدها مجتمعاتنا،
فياللعجب!
زوجة تخدم زوجها وأبناءها وبيتها، وهي مأجورة على ذلك من رب العزة والجلال،
ولها من
الحسنات ما الله به عليم، نجد من يعترض عليها بحجة حماية حقوق المرأة ومنع
إهدار
كرامتها، بينما الشغالات يملأن جحور البيوتات العربية ولا أحد يعترض أو
ينكر،
لماذا؟؟
إنّ الأم تعمل بلا مقابل (مادي)، وبالتالي فهي – طبقا للاقتصاد البحت- غير
منتجة
اقتصاديا لأنها ببساطة تعتبر ((عاطلة)) ، نعم لا تتعجبوا فهذه هي أعراف
هيئة الأمم
المتحدة فيما يخص الاقتصاد والإنتاج..
أمّا الشغالة أو الخادمة فهي تعمل (وتتقاضى أجرا)، لذا فهي منتجة ولها دور
في
المجتمع على تلك ربة المنزل التي لا تعمل ولا تنتج – بالمعنى الاقتصادي
الرأسمالي
لمصطلحي العمل والإنتاج-!
سبحان الـله!
الزوجة التي تربي أجيالا، وتخدم أزواجا، وتنشئ بيوتا على الأخلاق والفضيلة ،
وتحمي
المجتمع من الانهيار بفعل عوامل مثل المخدرات وانحدار المستوى الخلقي وتفشي
الجريمة
وعقوق الوالدين وتجاهل كبار السنّ، هذه الزوجة ليست ذات قيمة لدى الغرب
وهيئاته،
وجمعيات حقوق المرأة ومنظماتها!
كون ضابط المرور لا يكون إلا من خريجي كلية الشرطة فإنّ هذا لا يعني
بالضرورة
وجود أية عداوة لخريجي الكليات الأخرى، كالهندسة مثلا؛ كل ما في الأمر هو
أن تنظيم
المرور يتطلب أفرادا يملكون مهارات معينة لا يتم اكتسابها وتنميتها إلا
داخل كلية
الشرطة..
ولو طالب شخص بأن يحل محلّ ضابط مرور في أحد المناطق السياحيّة متعللا بأنه
يحمل
شهادة أعلى من الضابط أو بأنه أدرى بدروب المنطقة أو حتى متعللا بأنه يملك
مهارة
التحدث بعدة لغات أجنبية ، فإن أحدا بحال لن يستطيع أن يلبي طلبه، إذ أنّ
هنالك
لوائح تنظم تعيين أفراد المرور، ونحن لقصر رؤيتنا نظن أننا أحيانا نكون
أولى من هذا
الضابط بتنظيم المرور؛ لكن الذين قعّدوا لضوابط اختيار ضابط المرور وضعوا
في
حسبانهم عدة أمور نحن ربما لا ندركها، فـمثلا في حالة وقوع حادث تصادم بين
مركبتين
فإن ذلك الشخص الذي يتباهى بـقدراته الأكاديمية واللغوية لن يتمكن من عمل
شئ، ذلك
أنه لا يملك أية خبرة في التصرف المناسب الذي يحفظ حقوق كلا الطرفين
المتنازعين،
لذا فإن ضابط المرور هو الشخص المناسب في المكان المناسب بحكم تعليمه وبحكم
دراسته.
لنفترض جدلا أنّ مهندسا أحب أن يدخل إلى فناء الكلية الحربية ولم يكن يحمل
تصريحا
بالدخول، من الطبيعي أن يرفض رجال أمن البوابة السماح له بالدخول..
و في هذه الحالة؛ فإنه لا يحقّ لأي منصف أن يتهم رجال الأمن بأنهم حاقدون
أو شكاكون
مغرضون أو أنهم سيئو النيّة حيال ذلك الشخص الذي لم يرتكب جرما ولم يقترف
إثما إلا
رغبته في دخول الكلية الحربية!
[[هذه الخاطرة أهديها للجاهلين بأحكام الشريعة الإسلامية المتعالمين على
العلماء،
الزاعمين بأنّ الاختلاط مباح ومباح ومباح ولا شئ فيه وأنّ الكلام عن حظر
ديني
للاختلاط إنما هو محض تشدد وتزمّت وسوء نية]]
يعارض البعض القول بأن الحجاب حفظٌ للعرض والشرف، ويرى هؤلاء أنه يمكن
للمرأة
المحجبة والمتبرجة على السواء أن يتجاوزا كل الخطوط الحمراء المتعلقة
بالعرض والشرف
فيما لو راودتهما الرغبة في فعل ذلك..
فنرد ونقول:
1- لمْ تتضمن الغايات أو العلل الشرعية في فرض الحجاب مسألة حماية العـرض
أو الشرف،
ولو كان الأمر كذلك لكان رسول الـله صلى الـله عليه وسلم قد طلب من ربه أن
يلغي
فرضية الحجاب على نساء المسلمين بعيد وقوع جريمة الزنا بماعز الغامدية على
عهده،
فلا وقت أنسب من هذه الحادثة للمطالبة بأمر كـهذا.
2- لو طالب أحدٌ بإلغاء نقاط التفتيش المختصة بـتفتيش الزائرين والواردين
على مقار
الجهات الحساسة والأجهزة الرسميّة الهامة بـحجة أن أحدا لو رغب وفكر جديا
في تنفيذ
اعتداء أو تدبير حريق مثلا فإنه لن يعدم وسيلة لفعل ذلك، أقول إن أحدا لن
يستجيب
لهذه المطالب الواهية، فهل الحجاب نقرة والأمن نقرة أخرى؟
التمييز الإيجابي مطلوب، وضروري لأنه نوع من الحماية..
فـمثلا رجال الأمن – من شرطة وجيش- يميّزون بـزيّ خاص بهم لا يشاركهم فيه
أحد وذلك
لاعتبارات شتى، بل إن قانون العقوبات ينص على إجراءات صارمة حيال كل من
يرتدي هذا
الزيّ من غير أهله؛ رغم كل هذا فإن هنالك حوادث تقع نتيجة انتحال مجرمين
شخصية ضابط
شرطة، حيث يتمكنون من التزيي بزي الضباط ويقومون بإجراءات تعسفية يستغلون
فيها
الموقوفين ويتعرضون لهم بالنشل أو الاغتصاب..
أعتقد أن أحدا لم يطالب حتى الآن بإلغاء الزي الخاص بالسادة الضباط وأعضاء
سلك
الشرطة بـحجة أنّ هذا الزي لم يمنع كثيرا من المجرمين من ارتكاب جرائمهم
عبر التنكر
في زي ضباط الشرطة!
لكم أن تتخيلوا الوضع لو تم فعلا هذا الأمر، أعتقد أن بيوتنا الآمنة ستشهد
عشرات
الزائرين من ضباط الشرطة المزورين –بدلا من عدد ضئيل من الزائرين الأفاقين
لا
يتجاوز زائرا لكل مبنى كل بضعة عشر عاما-، إذاً؛ فـالزي الخاص يوفر ضمانة
أمنية
كبيرة..
نفس الأمر يقال بالنسبة لبطاقات الهوية IDs ،فـكثير منها يمكن تزويرها
وتقليدها،
لكن أحدا لم يطالب بإلغاءها في الجامعات وأجهزة الدولة والنوادي والنقابات
رغم وقوع
جرائم تزوير لهذه البطاقات أو الكرنيهات..
[[هذه الخاطرة أهديها للمحتجين على الحجاب بحجة تسهيله لارتكاب الجرائم]]
الهيئات الدبلوماسية والممثليات القنصليّة لها امتيازات خاصة ، من السيارات
ذات
اللوحات المميزة إلى الحقائب الديبلوماسية وقصصها المشهورة، ولا يملك أحد
الاعتراض
على هذه الامتيازات لأنها وضعت لتسهيل مهام الدبلوماسيين التي لربما
تتعـرقل إن لم
تتح لها هذه الامتيازات.
قد يتجاوز وزير ما –للعلم فإن الوزراء المصريين يمنحون جوازات سفر
دبلوماسيّة عند
توليهم مهام الوزارة لكنها تسحب منهم بمجرد التقاعد - حواجز التفتيش
والجمارك
بـمطار ما، ثم إن نفس هذا الوزير بعيد تقاعده قد يسافر عبر نفس المطار
ويتعـرض
لإجراءات تفتيشية أمنية غاية في التدقيق..
أيحق لهذا الوزير السابق أن يتهجم على ضابط الأمن بـحجة أنه لا يثق فيه أو
أنّه لا
يحترمه إذ سبق له قبيل بضعة أيام أن مرّ دون أية معارضة أمنية أو جماركية
ثم ها هو
الآن يفتش ذاتيا؟؟ أعتقد أن الإجابة ستكون بـ (لا) .. ذلكم أنّ عدم تعرض
الوزير
للتفتيش في المرة الأولى لم يأت إلا نتيجة لكونه وزيرا يحمل جوازا
دبلوماسيا، أما
الآن فـهو يتعرض للتفتيش كإجراء روتيني لا لشك فيه أو شئ من هذا القبيل.
[[خاطرة أهديها لمن يقولون لمَ إباحة نظر الرجل إلى أخواته وخالاته وعماته،
بينما
لا يجيز له الشرع الحنيف النظر إلى النساء الأجنبيات رغم أن كلا الصنفين
ينتميان
إلى الجنس اللطيف]]
قصة إسلام عكرمة بن أبي جهل رضي الـلـه عنه تدحض كثيرا من افتراءات البعض
باحتقار
العرب للمرأة، لا ننكر أنّ المرأة كانت تعاني من اضطهاد في المجتمع العربي
قبيل
الإسلام، لكن هذا الاضطهاد يهون مقارنة بما كانت تلاقيه المرأة لدى الأمم
الأخرى
حتى وصل الحال ببعضهم إلى عقد المناظرات واللقاءات لتحديد مسألة هل المرأة
كائن له
روح أم لا!
وقصة إسلام هذا الصحابي الجليل موجودة في موطأ الإمام مالك موجزة
، وأوردها صاحب
(المغازي)ج2:
"عن أبي حبيبة مولى الزبير عن عبد الله بن الزبير ، قال لما كان يوم الفتح
أسلمت
هند بنت عتبة ، وأسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل ،
وأسلمت
امرأة صفوان بن أمية البغوم بنت المعذل من كنانة ، وأسلمت فاطمة بنت الوليد
بن
المغيرة ، وأسلمت هند بنت منبه بن الحجاج ، وهي أم عبد الله بن عمرو بن
العاص ، في
عشر نسوة من قريش . فأتين رسول الله بالأبطح فبايعنه فدخلن عليه وعنده
زوجته وابنته
فاطمة ونساء من نساء بني عبد المطلب ، فتكلمت هند بنت عتبة فقالت يا رسول
الله
الحمد لله الذي أظهر الدين الذي ، اختاره لنفسه لتمسني رحمتك يا محمد إني
امرأة
مؤمنة بالله مصدقة . ثم كشفت عن نقابها فقالت هند بنت عتبة . فقال رسول
الله صلى
الله عليه وسلم مرحبا بك . فقالت والله يا رسول الله ما على الأرض من أهل
خباء أحب
إلي أن يذلوا من أهل خبائك ، ولقد أصبحت وما على الأرض من أهل خباء أحب إلي
أن
يعزوا من أهل خبائك . فقال رسول الله وزيادة أيضا ثم قرأ رسول الله عليهن
القرآن وبايعهن فقالت هند من بينهن يا رسول الله نماسحك . فقال رسول الله
صلى الله
عليه وسلم إني لا أصافح النساء إن قولي لمائة امرأة مثل قولي لامرأة واحدة
ويقال
وضع على يده ثوبا ثم مسحن على يده يومئذ . ويقال كان يؤتى بقدح من ماء
فيدخل يده
فيه ثم يدفعه إليهن فيدخلن أيديهن فيه . والقول الأول أثبتها عندنا : " إني
لا
أصافح النساء" . ثم قالت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل : يا رسول الله قد
هرب
عكرمة منك إلى اليمن ، وخاف أن تقتله فأمنه فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم هو
آمن . فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي ، فراودها عن نفسها ،
فجعلت تمنيه
حتى قدمت على حي من عك فاستغاثتهم عليه فأوثقوه رباطا ، وأدركت عكرمة وقد
انتهى إلى
ساحل من سواحل تهامة فركب البحر فجعل نوتي السفينة يقول له أخلص فقال أي
شيء أقول ؟
قال قل لا إله إلا الله . قال عكرمة : ما هربت إلا من هذا . فجاءت أم حكيم
على هذا
الكلام فجعلت تلح إليه وتقول يا ابن عم جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس
وخير
الناس لا تهلك نفسك . فوقف لها حتى أدركته فقالت إني قد استأمنت لك محمدا
رسول الله
صلى الله عليه وسلم . قال أنت فعلت ؟ قالت نعم أنا كلمته فأمنك . فرجع معها
وقال ما
لقيت من غلامك الرومي ؟ فخبرته خبره فقتله عكرمة ، وهو يومئذ لم يسلم .
فلما دنا من
مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يأتيكم عكرمة بن أبي جهل
مؤمنا
مهاجرا ، فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت قال وجعل
عكرمة
يطلب امرأته يجامعها ، فتأبى عليه وتقول إنك كافر وأنا مسلمة . فيقول إن
أمرا منعك
مني لأمر كبير . فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عكرمة وثب إليه - وما
على النبي
صلى الله عليه وسلم رداء - فرحا بعكرمة ثم جلس رسول الله صلى الله عليه
وسلم فوقف
بين يديه وزوجته منتقبة فقال يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني . فقال
رسول الله
صلى الله عليه وسلم صدقت فأنت آمن فقال عكرمة : فإلى ما تدعو يا محمد ؟ قال
أدعوك
إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي
الزكاة -
وتفعل وتفعل حتى عد خصال الإسلام . فقال عكرمة : والله ما دعوت إلا إلى
الحق وأمر
حسن جميل ; قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا
حديثا
وأبرنا برا . ثم قال عكرمة : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن
محمدا عبده
ورسوله"ا.هـ.
فانظروا إلى عكرمة رضي الله عنه، لقد غير دينه وانتقل إلى دين الإسلام
بمجرد إخبار
زوجته له بأمان رسول الـله شفاهة، لقد آمن الرجل بكل بساطة ولم يزدر زوجته
أو
يحتقرها، أو يقول: كيف أغير ديني من أجل امرأة؟؟؟ لقد آمن طوعا ، في دليل
دامغ على
ثقة العربي بـزوجته واحترامه لرأيها وعقلها.
وهنالك فائدتان من هذا الخبر:
1- يستفاد من قول الراوي حكاية عن هند بنت عتبة: " ثم كشفت عن نقابها " أن
تغطية
الوجه كانت هي السائدة في المجتمع المسلم لعموم الأدلة الواردة في ذلك
والتي فهم
منها الصحابة وجوب تغطية الوجه وحجبه عن الرجال الأجانب –على أرجح
الأقوال-.
2- يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم" إني لا أصافح النساء" عدم جواز
مصافحة الرجل
المسلم للمرأة الأجنبية.
الفقه الإسلامي ليس رجاليا كما يحاول البعض أن يوحي، فالسيدة عائشة أمّ
المؤمنين
رضي الله عنها روت لنا شطرا كبيرا من أحاديث المصطفى، كيف لا وهي الزوجة
الأثيرة
لديه صلى الله عليه وسلم.
كذلك، مما يدحض هذه الفرية مسألة بقاء الجنود في الثغور للجهاد، فعندما رغب
الفاروق
عمر رضي الله عنه في تعيين أمد زمني يعود بعده الجنود إلى أسرهم وذويهم سأل
ابنته
حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فأشارت بيدها
–حياء- بما
يفيد أربعة أشهر ، وبالفعل بادر الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه بإعلام
القادة
العسكريين الميدانيين بهذا الأمر، صحيح أن القرار صادر من رجل، لكنه مستند
إلى
استشارة نسائية، فحفصة هي صانعة القرار في الحقيقة.
الفوارق الموجودة بين المرأة والرجل يجب ألا تكون فوارق امتياز وإنما
تمايز.