خيانةالصلح

نحن الآن في السنة 8 للهجرة، حيث استقرت الأوضاع بعد صلح الحديبية الذي نصت بنوده على أن من أحب أن يدخل في حلف محمد صلى الله عليه وسلم دخل، ومن أحب أن يدخل في حلف قريش كان له ذلك أيضاً .. وبذلك فإن أي قبيلة تنضم إلى أحد الفريقين تعامل معاملته .. سلمهم سلمها وحربهم حربها .. دخلت خزاعة في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش وقد كانت هاتين القبيلتين في نزاع وشقاق كما كان بين المسلمين وقريش .
وبعد أن عرفنا هذه الحقيقة ووعيناها ستبدأ قصتنا ..
ياويل قريش .. ياويل قريش .. لقد خانوا معاهدة الصلح بيننا وبين المسلمين، ساندوا بني بكر في قتالهم لخزاعة . ولكن كيف يجرؤ بنو بكر على خيانة العهد وهم تحت جنحنا. ألم نتعاهد على السلام والصلح مع بني خزاعة التي هي في كنف المسلمين، والاعتداء على خزاعة اعتداء على المسليمن .. ياويلي .. يا ويلي .. إن غضب محمد وأتباعه اليوم شديد .
بهذا كان يتحدث أبو سفيان قائد قريش إلى نفسه وهو يمشي في طريقة إلى المدينة، بعد أن فعلت قريش فعلتها وأحست بخطئها وغدرها .. فخافت عواقب الخيانة الوخيمة خاصة بعد أن استنجد عمر بن سالم الخزاعي برسول الله صلى الله عليه وسلم

هذه سحابة في سماء المدينة .. تتخللها خيوط من نور، تمشي ببطئ .. نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم واستبشر قائلاً: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب، وكأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد، ويزيد في المدة. هاهو ذا أبو سفيان بظهره المحني وعباءته التي تكنس الحصى خلفه، يطل من بعيد داخلاً المدينة، هاهو يتوجه إلى بيت ابنته أم المؤمنين حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما دخل وأراد الجلوس على فراش النبي ...
لاتجلس على هذا الفراش !
- ولماذا يابنتي أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني ؟
- بل هذا فراش رسول الله، وأنت رجل نجس مشرك .

نظر أبو سفيان إلى ابنته وضرب كفيه ببعضهما البعض وهز برأسه .. والله لقد أصابك بعدي شر ياابنتي .خرج أبو سفيان غاضباً متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن ينسى ماحصل وأن ماكان ذلة يرجو الصفح عنها
ولكن يا لخيبة قريش لم يقبل رسول الله أن يجدد العهد، لقد نسي أبو سفيان أو ربما لم يعرف أن الإسلام لايعرف الخيانة والغدر، وأن سيف الحق لابد أن يقطّع الباطل أربا أربا .
توجه ابو سفيان إلى أبي بكر وعمرو ليكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم كي يزيد مدة الصلح، ويجدد العهد، ولكنهما رفضا ذلك .
واللات والعزى إن قريشاً لهالكة .. واللات والعزى لن تنجو قريش من قبضة محمد .. ياللذل والعار اليوم يا قومي هاهو أبو سفيان من بعيد يخرج من المدينة كما دخل قبل قليل .نحن الآن في أول شهر رمضان في سنة 8 للهجرة
وعلم حاطب بن أبي بلتعة أن النبي صلى الله عليه وسلم سائر إلى مكة بعد أن أمرهم بالتجهز .. ولأن الحرب ذكاء وخدعة بعث رسول الله سرية بقيادة أبي قتادة إلى منطقة تدعى بطن إضم ليظن الظان أنه يتوجه إلى تلك الناحية ولتشيع بذلك الأخبار، ولكن .. هل تخفى الأخبار على قريش
هل يمكن لأحد على أن يرسل لقريش ويعلمهم بخطة النبي صلى الله عليه وسلم
والمسلمين فيعدوا عدتهم !
نعم لقد فعلها حاطب بن ابي بلتعة !! ياللخيانة ! كيف يجرؤ !
اسمعوا ماذا فعل .

خذي يا امرأة هذا الكتاب وأوصليه إلى أبي سفيان فإن فيه نبأ يهم قريشاً .

رمى حاطب في يد المرأة كيساً من النقود .. فأمسكت به ضاحكة ثم انصرفت .

أسند حاطب ظهره إلى الحائط وهو يبتسم ويحدث نفسه .. نعم لابد أن قريشاً وساداتها سيسعدون بما سأقدمه لهم من معروف .. وعندها سيكون لي بينهم شأن عظيم .

دخلت زوجة حاطب وهي تنظر إليه مستغربة: مابك يارجل هل جننت !

سوف تعرفين كل شيء لاحقاً، اذهبي ياامرأة واحضري لي قليلاً من الحليب هيا .
كيف حصل هذا ؟ سوف تعلم قريش بمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتستعد بإعداد العدة، وستكشف خطته، ترى لم فعل هذا حاطب ؟ هل كان منافقاً يظهر الإسلام و يبطن الكفر أم ماذا ؟
ولكن لم يطل الأمر وأتى الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً والمقداد وقال لهما: انطلقا حتى تصلا إلى روضة خاخ فإن فيها امرأة معها كتاب إلى قريش فاستوقفاها، وخذا منها الكتاب .
في صحراء مقفرة غير معروفة الجهات، الشمس ساطعة، والرياح تعصف هنا وهناك تحمل الرمال والحصى وكأنها تعلن الاستنفار والتمرد لعصيان رسول الله، هاهي تلك المرأة من بعيد تقترب وتقترب مع بعيرها، تنظر هنا وهناك خوفاً من عيون تترقبها ..
قفي مكانك ياامرأة .. ألست أنت رسول حاطب ومعك كتاب إلى قريش ؟ هيا أخرجي مامعك وإلا ..
أصرت المرأة على الإنكار، ففتشا رحلها كله ولكن .. لم يجدا شيئاً، ترى أين ذهبت الرسالة ؟
وهل حقاً أرسل حاطب كتاباً لقريش، أم أنها خدعة ؟
كيف لم يجدا الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ! إذاً أين اختفت الرسالة !
انتظرونا .. لابد أن نعرف الحقيقة في الجزء الثاني من قصة الخيانة

المصدر:موقع سبيس تون (بتصرف)
و شكرا لكم