الإنترنت وسيلة لقهر الفراغ والاحتلال!
لإنترنت بديل عن الفراغ الاجتماعي للفلسطينيين
[/][size=16ظاهرة مقاهي الإنترنت في فلسطين المحتلة وانتشارها الذي وصف بالملحوظة، كانت مرتبطة بأزمة وقت الفراغ عند الشباب الفلسطيني المقرونة بسياسة "الكانتونات"، والسجون الجماعية التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي على أفراد المجتمع الفلسطيني والتي ما كان لها من جلاء لا في صيف ولا شتاء.
وأمام هذه السياسات الإسرائيلية تبرز الحاجة لابتكار بدائل ضرورية يلجأ إليها الإنسان الفلسطيني لمقاومة عدوه، وإذلاله للحصار الذي يفرضه عليه محتلو أرضه وسمائه وبحره.
فمن جانبه قال مصطفى حسين صاحب مقهى "إنترنت كوفي القدس" في حي الرمال بغزة: "هناك اهتمام كبير لافت للنظر من قبل الجماهير الفلسطينية، وخاصة فئة الشباب منهم"، وأرجع الإقبال الشديد على مقاهي الإنترنت إلى أن الشباب الفلسطيني المحاصر برًّا وبحرًا وجوًّا يعاني في فصل الصيف من أزمة وقت الفراغ: "بالإضافة إلى أن الإنترنت مصدر واسع وشامل للمعلومات التي تفـيد بدورها الطلاب الفلسطينيين في دراستهم، وهي أيضًا سهلة الاستخدام، والوصـول للمعلومة فيها غير معقد مقارنة بغيرها من الوسائل الاتصالية الأخرى".
وأضاف حسين: "أما عن فئة المراهقين فإن اهتمامهم بالإنترنت يعود إلى انخفاض تكلفة سعر الساعة، بالإضافة لكونه مصدرًا هامًّا لإشباع رغباتهم وتمضية أوقات فراغهم بما ينفع أو بما لا ينفع حسب ذوق المراهق نفسه وتربيته.
لا للمواقع الإباحية
ويؤكد "حسين" أنه يحاول بقدر الإمكان أن يراقب كل المحطات العاملة لديه في المقهى عبر جهاز مركزي مرتبط بأجهزة الكمبيوتر في المقهى "بالإضافة إلى امتلاك المقهى لبرنامج لديه القدرة على إغلاق كافة المواقع الإباحية التي يمكن لبعض المراهقين السعي وراءها تلقائيًّا".
ويرى حسين أن الإنترنت تعتبر من أهم وسائل الاتصال الجماهيرية القادرة على جمع أكثر من وسيلة اتصال في آن واحد، منوهًا إلى أن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى كافة الوسائل الاتصالية الحديثة التي بمقدورها أن تكون أحد عوامل صموده أمام الاحتلال الإسرائيلي وحصاره الخانق.
إدمان من نوع جديد
شعار لا للمواقع الإباحية ترفعه مقاهي الإنترنت
"هاني محمد الأستاذ" -20 عامًا- طالب جامعي يدرس المحاسبة، ومن الشغوفين بهذه الوسيلة، حيث يقصد مقاهي الإنترنت لمراسلة أهله في المملكة السعودية.
ويضيف هاني أن من المواقع التي يرغب في الدخول إليها موقع "الشات" المعروف باسم “mirc”، وكذلك برنامج "الماسنـجر" الذي من خلاله يقوم بالتحدث مع أهله وأقربائه في السعودية بشكل مباشر.
ويضيف هاني قائلاً: "الإنترنت كل شيء في الدنيا، فهو بمثابة التلفزيون والإذاعة والسينما والصحيفة والكتاب وكل شيء ناطــق أو مقروء على وجه الأرض، فالإنترنت الصديق الحميم بالنسبة لي، ومتنفسي الوحيد وسط الحصار الخانق". مؤكدًا أنه طيلة مكوثه أمام شاشة الكمبيوتر لا يشعر بالملل فالساعات تمضي كالبرق، على حد وصفه.
ويشير هاني إلى أنه يملك سبعة عناوين على البريد الإلكتروني وهي موزعة على "الهوت ميل" "والياهو"، الأمر الذي يزيد من اهتمامه بالإنترنت؛ لمتابعة الرسائل الجديدة التي ترده من أصدقائه من مختلف أنحاء العالم.
ضد الحصار
ومن جهته يقول "زكريا الصباح" -33 عامًا- مدير مقهى "أوفر سيز": خلال العطلة الصيفية يختلف نظام العمل في المقهي اختلافًا كاملاً، حيث يستقبل المقهى زبائن جددًا من فئات عمرية مختلفة، وهذا يحتم علينا تغيير مواعيد فتح وإغلاق المقهى وزيادة عدد المرشدين، وأجهزة الكمبيوتر المجهزة.
ويرجع الصباح الإقبال المتزايد على الإنترنت إلى البطالة، ووقت الفراغ الذي يعاني منه الشباب الفلسطيني خاصة في فصل الصيف.
ويشير إلى أن الإنترنت أحد الوسائل للتغلب على الإحباط النفسي عند الشباب الفلسطيني، حيث يفتح أمامه آفاقًا للاتصال بالعالم الخارجي مقابل الحصار المفروض على المدن الفلسطينية.
وينفي صباح سهولة السيطرة على بعض المراهقين الذين يسعون وراء المواقع الإباحية، مضيفًا أن الجانب الترفيهي أصبح طاغيًا على الجانب الثقافي؛ وذلك لطبيعة الكبت الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.
شات سياسي!!
وفي المقهى ذاته التقينا بعاصم الشاعر -20 عامًا- طالب في كلية الاقتصاد، حيث قال: "في أوقات الدراسة كنت ارتاد المقهى ثلاث مرات أسبوعيًّا، ولكن خلال الإجازة الصيفية أصبحت أقصد المقهى يوميًّا؛ وذلك لسعة فراغ الوقت الممل.
ويرى الشاعر أن الإنترنت وحده لا يكفي لسد الفراغ الكبير في حياة الشاب إلا أنه الوسيلة المتاحة في الوقت الحالي، مؤكدًا أن الإنترنت وسيلة من وسائل فك الحصار وشرح وجهة النظر الفلسطينية للعالم.
وضرب لنا الشاعر مثلاً في لقائه مع شخص أمريكي عن طريق الإنترنت، حيث حاول إقناعه بالحقيقة، ونقل له المعاناة الفلسطينية بعدما كان يجهلها.
الترفيه وليس التثقيف
ويؤكد حامد أبو هربيد -21 عامًا- الطالب في قسم الصحافة أن ما يميز الصيف هو وقت الفراغ، ووجود وسيلة مثل الإنترنت قد تساهم في إشباع هذا الفراغ، لكنها بحاجة إلى الترشيد الكافي بحيث لا تصبح مصدر قلق بدلاً من كونها مصدر ثقافة.
ويرى أن الاتجاه العام لدى الشباب تجاه الإنترنت يعتمد على الترفيه، داعيًا الشباب إلى اعتبار الإنترنت وسيلة لتطوير الذات وتنوير العقل في ظل التحديات القائمة.
ويفسر أبو هربيد الإقبال المتزايد على المقاهي في فترة الصيف في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة لدى الشعب الفلسطيني إلى أوقات الفراغ المقرونة بانعدام المرافق العامة للشباب.
ويضيف أن الشاب أصبح يدخر من مصروفه ويضغط على نفسه في سبيل ارتياد مقاهي الإنترنت، "والإنترنت قد يحل بعض المشاكل لدى الشباب، ولكنها تبقى قائمة في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المتردية".
مادية بحتة..!!
أما عن "حسن قنديل" -32 عامًا- الذي يعمل في مجال صيانة شبكات الإنترنت، أحد المتابعين لحركة انتشار مقاهي الإنترنت، فيعزو هذه الظاهرة إلى سببين، الأول: متعلق بالشعب الفلسطيني، حيث الكبت والضغط النفسي الذي يعاني منه، والآخر: متعلق بطبيعته المتجهة نحو الانفتاح والتعاطي مع التقنيات الحديثة.
وأكد قنديل أن أصحاب المقاهي -في معظمهم- ينظرون إلى الإنترنت نظرة مادية بحتة: "باعتباره وسيلة للكسب المادي، وهذه النظرة تزداد شراهة في فصل الصيف، حيث أوقات الفراغ لدى الشباب".
ويشير قنديل بالقول: "على الرغم من أن الجانب الثقافي هو الأساس في الإنترنت فإن 70% من الشباب لا ينظرون إليها بهذه الصورة، بل ينظرون إليها على أنها وسيلة لإضاعة الوقت، والهروب من الواقع الفلسطيني المؤلم".
ويؤكد قنديل أن هذا الانتشار الواسع لمقاهي الإنترنت يرتكز على مظاهر فارغة، وليس على مضامين، وأضاف: "ومعظم المقاهي تعاني من ضعف في الإمكانيات، وعدم جاهزية في أجهزة الكمبيوتر، ورداءة شبكات الإنترنت وبطئها، ونقص الخبرات لدى مديريها".
ويضيف أن محاولة توحيد أسعار الساعة للإنترنت من قبل إحدى الشركات الفلسطينية باءت بالفشل، مرجعًا ذلك إلى أن الكثير من أصحاب المقاهي يتبعون أهواءهم محاولة منهم لاحتكار سوق الإنترنت.