إن جائزة نوبل للسلام التي منحت الى السيدة شيرين عبادي، وهي الأولى تمنح لامرأة مسلمة، قد لفتت أنظار العالم الى نضال الايرانيات في سبيل المساواة في الحقوق وهو ما يمكن اعتباره حتى دليلاً على تطور ملموس في إيران. غير أن الرئيس محمد خاتمي قد ضرب صفحاً عن منح هذه الجائزة معتبراً أنه "غير مهم جداً"، فما كان من شأنه إلا أن زاد من خيبة الإيرانيين المستائين أساساً من عجز الاصلاحيين عن البلوغ بالمجتمع الى حالة أكثر ديموقراطية. ويبقى أن انتخابات 20 شباط/فبراير 2004 التشريعية قد حملت معها فشل سنوات سبع من محاولات إصلاح الثورة الاسلامية التيوقراطية[1].
ومن جهته أقر المغرب في مطلع هذا العام قانونا جديداً متعلقاً بالأسرة (المدونة). وهي عملية إصلاحية ذات أهمية تاريخية كونها أسست قانونياً للمساواة بين الرجل والمرأة. والمغرب هو الدولة الثانية العربية الاسلامية التي خطت هذه الخطوة بعد تونس الأولى. إلا أن الملك محمد السادس الذي تولى الحكم منذ العام 1999، ومن وراء واجهة الانفتاح يمارس حكماً مطلقاً، وباستثناء قانون الأسرة هذا تبقى حالات التقدم الديموقراطي محدودة.
وموقف الشعب المغربي يشبه الموقف في إيران حيث الشعب متخلً عن السياسة ومستاء من السلطة. وعلى كل حال، ليست هذه النقطة الوحيدة المشتركة. فالمغرب، كما إيران، دولة اسلامية والملك هو في الوقت نفسه رئيس الدولة والقائد الديني، "أمير المؤمنين". وممارسة الشعائر الاسلامية أمر إلزامي على المسلمين حتى وإن كان المخالفون في رمضان، في السنة الماضية قد أعفوا من العقاب ولم يتلقوا سوى إنذار. ويبقى البلد إلى حد بعيد محافظاً حيث السياسة والدين يتبادلان الدعم.
وفي إيران كما في المغرب تأتي التطورات من داخل الاطار الاسلامي نفسه عبر بابي "الاجتهاد" و"التفسير". وفي كلا البلدين لعبت المرأة دوراً ناشطاً آخذة لنفسها مهمة النضال من أجل حقوق المرأة، فمعظم النساء، وخصوصاً في المغرب، رفضن تسمية "النسوية" (مناصرة قضايا المرأة) اذ اعتبرن أنها ضيقة وتعود الى عصر ومكان ليسا لهن. وهؤلاء النساء يمثلن منظومة واسعة بدءاً من النزعة الاسلامية وصولاً الى العلمانية، وهي الكلمة التي تزعج بدورها عدداً منهن في كلا البلدين.
إن إصلاح قانون الاسرة المغربي هو ثمرة مسيرة طويلة شجع عليها بنوع خاص الملك وحركة نسائية ناشطة جداً عملت من ضمن إطار الشريعة نفسها. وقد باتت المرأة تتمتع بوضع قانوني مماثل لوضع الرجل وصار لها الحق في أن تطالب بالطلاق وتشاطره الحقوق داخل العائلة ولم تعد خاضعة لوصاية رجل من العائلة (أب أو أخ أو زوج)، فهي حرة مستقلة. لكن الأمر تطلب القبول ببعض التسويات منها مثلاً تعدد الزوجات، وقد سمح به القرآن صراحة، لم يمكن إلغاؤه ولو ان ممارسته باتت شبه مستحيلة.
وفي كل الأحوال فان ترجمة المبادئ الاصلاحية الى نصوص قانونية بدت عملية صاخبة. فقد كان هناك مشروع إصلاحي سابق هو "مشروع إلحاق المرأة بعملية التنمية" وقد اقترحه في العام 1999 رئيس الوزراء الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي ثم قدمه الى البنك الدولي، الأمر الذي أثار انتقادات وزير الشؤون الاسلامية السيد عبد الكبير علوي مدجاري. وفي النهاية خرج الجدال الى العلن وتراجعت الحكومة وتشكل فريقان، من جهة المناضلون من أجل حقوق المرأة الذين تجمعوا لانشاء ما عرف بـ"ربيع المساواة" وفي مواجهته الاسلاميون وحلفاؤهم المحافظون.
وفي 12 آذار/مارس عام 2000، ومع اقتراب موعد اليوم العالمي للمرأة سارت تظاهرات دعم لهذا المشروع ضمت ما بين 000 100 و000 200 شخص وشاركت فيها مجموعات نسائية وحركات حقوق الانسان وأحزاب سياسية (وستة وزراء في الحكومة على الأقل). وحتى أن بعضهم طالب باصلاحات أكثر جرأة. أما في الدار البيضاء فقد قامت تظاهرة اسلامية مضادة منددة بالمشروع على أنه مقرب من الغرب ومناهض للاسلام، سار فيها حشد أكبر بشكل واضح.
عندها شكل الملك لجنة من خمسة عشر عضواً لإعادة النظر في المشروع وجعله ملائماً للشريعة الاسلامية. ومن النساء الثلاث في اللجنة برزت السيدة السيدة نزهة غسو، الخمسينية، وهي استاذة في كلية الطب والصيدلة في الدار البيضاء وعضو مؤسس في المنظمة المغربية لحقوق الانسان (OMDH) من دون أن يكون لها أي صفة سياسية. وقد أعلنت مناصرتها للمرأة لكن بحسب ما أوضحت "بالمعنى العريض للكلمة. فأنا أدرج خطوتي في السياق الشمولي ولا أعتقد أن هذا يتناقض مع مبادئ الاسلام الأساسية". وفي رأيها أن التنديد بالطابع المناهض للاسلام والمزعوم في المشروع قد أجبر "المثقفين المغاربة والمنظمات النسائية على وضع قائمة بينات متينة جداً بالاستناد الى المراجع الاسلامية لكي يبرهنوا أن اقتراحاتهم ليست من إملاء المنظمات الدولية أو الثقافات الغربية، وإنما هي متجذرة تماماً في إرثنا العربي الاسلامي. وفي رأيي أن هذا هو التغيير التكتيكي الأهم في نضال المرأة". وقراءة الخطاب الذي أعلن فيه الملك عن قيام الاصلاحات معبرة جداً: فكل بند من البنود الاصلاحية قد شرّع استناداً الى إحالة على القرآن أو على الحديث والسيرة النبويين فيما ظل مضمون التغييرات كما ورد بالضبط في مشروع العام 2000.
وبطريقة ما فان الهجومات الانتحارية الخمسة التي قتلت 45 شخصاً في الدار البيضاء في 16 أيار/مايو عام 2003، ، قد سرعت في اتخاذ القرارات. وفي الواقع فان هذا الحدث الذي لا سابق له قد اصاب الشعب بصدمة. فإذا كان الارهابيون ينتمون الى جماعة "الجهادية السلفية" المرتبطة بـ"القاعدة"، فان الكثيرين من المغاربة قد حملوا المسؤولية للحركة الاسلامية المحلية التي يمثلها في البرلمان "حزب العدالة والتنمية" الذي سارع على الفور الى الموافقة على إعادة النظر في المشروع.
وبحسب ما توضح السيدة غسو فان "أحداث 16 أيار/مايو قد دوت منذرة بمخاطر الانحرافات المتطرفة وأجبرت كل طرف على تحديد موقفه حتى الدولة المغربية ضمناً. وهذا ما فعلته بتأكيدها أنه لا مجال للبحث في خيار المغرب في بناء دولة ديموقراطية منفتحة ومتسامحة. وقد برهنت هذه الأحداث أن على السلطة أن تأخذ في الاعتبار الوضع العام في البلاد وخصوصاً على الصعيد الاجتماعي الاقتصادي. كما أنها عززت الحاجة الى البرهان على أننا نتماشى فعلاً مع تعاليم الاسلام".
وقد وصف عالم السياسة محمد طوزي إصلاح قانون الأسرة هذا بأنه ثوري، لكنه رأى أنه يجب أن يترافق مع جهود في التربية وفي التغييرات الاجتماعية. وهذا ما أكدته السيدة ليلي رويدي، أستاذة الاتصالات في جامعة الرباط ومنسقة حركة "ربيع المساواة"، إذ عبرت عن هاجس يسود البلاد إلى حدٍ بعيد: "إن هذا القانون هو من الأهمية بمكان، فهو أحل المساواة مكان الخضوع. لكن ما اخافه هو ألا يطبق على الأرض في المحاكم في كل أرجاء البلاد تقريباً. فنحن نترك الكثير من حرية التصرف للقضاة، ويبقى علينا أن نفعل الكثير". وتضيف: "أنا مسلمة من زاوية مساهمات الاسلام الحضارية، لكنني أصنف نفسي في صف العلمانية. ولا أرفض أن انعت بـ"نصيرة المرأة العلمانية". لقد بدأنا نتحدث عن العلمانية كما عن الديموقراطية في الوقت نفسه وخصوصاً بعد احداث 16 أيار/مايو...".
أما السيدة خديجة رويسي، الأربعينية، وهي مستشارة إدارية وامينة عامة لإحدى منظمات حقوق الانسان، "مؤتمر الحقيقة والعدالة"، فتعلن أنها نصيرة حقوق المرأة وعلمانية كلياً. وهي أيضاً تبدي مخاوفها لأن "القضاة والحكام لا يطبقون الاصلاح الجديد، فهم جميعاً رجال ولا يعرفون سوى التمييز بين الجنسين".
وما الذي تعتقده النساء الاسلاميات مثل السيدة ناديا ياسين الناطقة باسم "جماعة العدل والاسلام" التي كتب والدها الشيخ أحمد ياسين مؤسس الجماعة البالغ من العمر 76 عاماً " أن المطلوب هو "أسلمة الحداثة وليس تحديث الاسلام". وتعتبر السيدة ياسين نفسها "مناضلة اجتماعية من الصوفيين الجدد" وترفض كلمة "نسوية" (نصرة المرأة) إذ ترى فيها "نزعة انتقامية قوية". وتعترف بأن قرار التظاهر في العام 2000 ضد الاصلاحات قد شكل "خطأ تكتيكياً. إنما كان ذلك حركة سياسية الغرض منها إظهار قوة الاسلاميين. لكننا اعترضنا أيضاً على حركة الاصلاح لأنها انبثقت عن مؤتمر بيجينغ [2] ولأنها فرضت علينا من الخارج. فربما يكون مجتمعنا مريضاً لكن علينا أن نجد علاجنا بأنفسنا. فالنساء الغربيات لم يكنَّ يتمتعن بأي حقوق قبل أن يناضلن من أجل الحصول عليها. أما عندنا فان العكس هو الذي حدث، إذ حرمنا حقوقنا شيئاً فشيئاً".
لكنها تعتبر بنوع خاص "أن عالمنا هو بطبيعته روحاني. ونحن نرى أن حقوق المرأة تتضمن ثلاثة محاور هي: الرجل والمرأة والله. فنحن نقرأ ونكرر قراءة الكتب المقدسة، فقد ساءت أوضاع المرأة في مجتمعنا في حدود خلافة معاوية [3]، يوم أصبحت المرأة عبدة. ونحن نطالب بحقوق جديدة إنما من أجل تأمين انسجام أفضل بين مختلف أفراد الأسرة. فحقوق المرأة قد تصبح مضرة وتفضي إلى تشرذم العائلة، وهذا ما يجب تفاديه". وتنتقد ما في الاصلاح من نواقص: "يجب ان يذهب القانون الجديد أبعد من ذلك ويمنح المرأة الحق في أن تقرر بنفسها ضمن أي شروط توافق على تعدد الزوجات وعلى الطلاق. كما ان الاصلاح لا يبحث مطلقاً في مسألة ميراث المرأة".
وحركتها، "العدل والاحسان"، تتمتع بنفوذ فعلي وخصوصاً في المدن والجامعات [4]، فهي تنشر الأمل في التغيير على مختلف المستويات، الروحية منها والسياسية والثقافية، وتعارض الوضع القائم للملكية وتستمد شرعيتها من الدعم الشعبي الفعلي. وتبقى خارج النظام السياسي كونها ترفض التساهل في مبادئها. ومعظم محازبيها يصوتون لحزب العدالة والتنمية وهو حزب ديني محافظ يجتذب المغاربة الخائفين على "السنة". وبحسب السيدة حكيمة مخاطري، إحدى مسؤولات "العدل والاحسان" في الرباط فان "آراءنا مختلفة جداً عن آراء حزب العدالة والتنمية. فهم يوافقون على المشاركة في اللعبة السياسية، أما نحن فلا".
والكثيرات من النساء اللواتي عانين في ظل قانون "المدونة" القديم قد اجتذبتهن جماعة العدل والاحسان، على غرار السيدة ناجيا الرحمن (44 عاماً)، الآتية من عجدة في شرق البلاد. لقد كانت ثائرة ترفض أن تغطي رأسها أو ان تؤدي الصلاة. ومع ذلك فانها تزوجت لتواجه الأسوأ، وبعد سنوات من سوء المعاملة وقد خصصت نفسها للأولاد والعمل فقط اكتشفت كتابات الشيخ أحمد ياسين، وهي تروي: "قلت في نفسي هذا شيء جديد. ليس كحسن البنا أو س[5]يد قطب . وقد تغيرت فجأة وانضممت الى الجماعة. مضى على ذلك 18 عاماً. وقد شجعني المناضلون على الطلاق وعلى استعادة عملي، إنما شجعوني على التأمل بنوع خاص. وحالياً أنا أعد شهادة دكتوراه في علم النفس". اما بالنسبة الى قانون الأسرة، فـ"إنه لا يساعدني في الحصول على راتب لتأمين معيشتي. والمشكلة ليست في القانون بل في الذهنيات وفي الفساد وانعدام التربية لدى القوم الذين يحتلون محاكم البداية".
وفي اجتماعهم في منزل أحد الأتباع في الدار البيضاء يتبادل أعضاء الحركة بكل حرية وجهات نظرهم حول مختلف المواضيع، وفي حضور امرأة أو اثنتين (فالعدل والاحسان تؤيد الاختلاط).وبرئاسة السيدة ناديا ياسين. وفي رأيهم أنه يجب "نزع صفة القداسة عن تاريخ الاسلام وإعادة تفسيره وتغيير الناس عبر إعادة تربيتهم من الألف الى الياء". وهم يقولون أنهم "مستعدون للمشاركة في اللعبة السياسية إنما فقط شرط ألا تكون مزورة وهذا ما يعجز البلاط الملكي عن ضمانه. ونحن لا نريد إصلاح النظام الانتخابي وحسب وإنما إصلاحا دستوريا حقيقيا. والبلاط يعرف أننا نعارض شرعيته، لكننا نعارض أيضاً الامتيازات الممنوحة لحركة النساء العلمانيات، فهن النخبة الفرنكوفونية". وهكذا فان المغربيات منقسمات بين فريقين متراصين متباغضين ولا يكادان يلتقيان أبداً.
أما في إيران فان الوضع يبدو مختلفاً كلياً والتحالفات لافتة جداً [6]. فالمناضلات ينتمين الى عدد مذهل من الفئات. من التقليديات المحدثات الى الاسلاميات الى العلمانيات، ومن المحافظات الى اليساريات مروراً بالوسط الليبيرالي، ومع كل هذا تنويعات لا حصر لها. إلا أن الكثير من المناضلات يصرحن بانتمائهن، في البادية على الأقل، الى الحركة الاصلاحية التي يقودها السيد محمد خاتمي، ويؤيدن كلامه حول المجتمع المدني وحرية التعبير عن الرأي واهمية القانون في مواجهة المعارضة القوية، والشرسة أحياناً من جانب "المتشددين" من التيوقراطية المحافظة. وفي الواقع أن المرأة ومطالبتها بالمساواة هي أحد مفاتيح العقدة في الحركة من أجل الاصلاحات الديموقراطية.
لكن نجاحاتهن متواضعة جداً وخصوصاً لأن القوانين التي يقرها البرلمان يمكن أن يلغيها مجلس حراس الثورة الذي يتمتع بحق النقض. وهكذا مثلاً حصلت الأمهات الإيرانيات المطلقات، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2003، على إمكان الحصول على رعاية أولادهن حتى سن السابعة (مقابل سنتين من قبل). وكن قد حصلن على الحق في رعاية الفتيات حتى سن السابعة وبذلك بفضل الجهود السيدة شيرين عبادي الضارية التي لفتت الانتباه إلى هذه المسألة في العام 1997 عندما تولت الدفاع عن مطلقة هي ام لفتاة في السادسة من العمر تدعى أريان، ماتت بعد سوء المعاملة التي لقيتها في كنف أبيها، من حماتها وشقيق هذه الاخيرة. وبعد عشرين سنة من الرفض المطلق بدا هذا الاختراق البسيط وكأنه تقدم هائل. وفي حزيران/يونيو عام 2002، وبعد مسار طويل أيضاً، عدلت السن الدنيا للزواج لتصبح ثلاثة عشر عاماً للفتاة وخمسة عشر للشاب. وكان في الأمر نوع من تسوية، إذ في الواقع أن القانون الذي أقره البرلمان في آب/أغسطس عام 2000، كان قد اقترح سن الزواج الدنيا على التوالي خمسة عشر عاماً وثمانية عشر عاماً.
إلا أنه ومنذ العام 2001 بات يحق لكل امرأة تجاوزت الثامنة عشرة من العمر أن تسافر الى الخارج بدون إذن إلا إذا كانت متزوجة فيتوجب عليها عندها الحصول على موافقة الزوج [7]. لكن بعد العام 2001 جرى إلغاء قوانين أخرى كان قد أقرها البرلمان (المجلس السابع) منذ العام 2000، مثل إصلاح القوانين الخاصة بالصحافة والطلاق ومنع التعذيب في السجون والانضمام الى "معاهدة حظر كل أشكال التمييز بحق المرأة" (Cedaw). بينما الأمور الأساسية ظلت قائمة، فحياة المرأة لا تزال تساوي أقل من حياة الرجل، وهكذا فان "الفدية" (التعويض عن الحادث أو الوفاة) تبقى أدنى بنسبة النصف مما يدفع عن الرجل (كما أن حياة أتباع الطوائف الأقلية لا تساوي إلا نصف حياة المسلم).
ثم هناك مسألة الحجاب، قانون اللباس المتشدد بالنسبة الى المسلم (وعدم احترامه قد يتسبب بالجلد وصولاً الى 74 جلدة). فبعد سنوات من الصمت طرحت القضية في النهاية في عهد السيد خاتمي، من جانب رجال دين إصلاحيين عبروا عن رأيهم في تصريحات مختلفة أشهرها تصريح وزير الداخلية السابق عبد الله نوري، الذي ألقي في السجن لمدة خمس سنوات بمجرد أنه أوضح أن الشريعة تفرض على المرأة المسلمة أن تغطي رأسها وجسمها لكنها لا تنص بشيء حول غير المسلمات [8].
وقد خرجت النقاشات الجديدة الى العلن بفضل المجلة الشهرية "زنان" (المرأة) التي أسستها في العام 1992 شهلا شركات ونالت شهرتها بفعل نزعة نسائية ملتزمة لا تبتعد كثيراً عن مفاهيم الاسلام. ومجلة "زنان" هذه هي صاحبة الإصدار الأهم بكثير في مجال الصحافة النسوية إذ تطبع 000 40 عدد بينما منافستها الأكثر جدية لا تبيع سوى 000 5 آلاف عدد. وتروي شهلا شركات: "عندما أصدرت مجلة "زنان" أردت بكل بساطة أن اوظف خبرتي على مدى عشر سنوات في مجال مشاكل المرأة. وقد تطلب الأمر بعض الشجاعة. فكلمة "نصير المرأة" تعتبر شتيمة ولم أرد أن أبدو من أتباع الحركة النسائية إنما أردت إثارة نقاش في الموضوع. والحركة النسائية هي ظاهرة جديدة كلياً هنا وقد تشجع النساء على الاحتجاج جماعياً ضد الظلم القائم بين الجنسين. ولذلك أنا أرفض أن أطلق فيها أي صفة مثل "إسلامية" أو "علمانية". وأنا لا أهتم كثيراً للتسميات لكنني بكل بساطة من مؤيدي حركة المرأة".
وفي مؤتمر عقد في برلين في العام 2000 طرحت شهلا شركات علناً على بساط البحث القوانين المتعلقة بـ"الحجاب". وشاركها في ذلك بعض الاصلاحيين المعروفين وقد عوقبوا جميعاً، وحكمت شهلا شركات ستة أشهر سجنا مع وقف التنفيذ. أما شهلا الحجي المناضلة في مجال حقوق الانسان ومديرة دار نشر "روشانغران" (التي حصلت على جائزة "بن" الدولية من الولايات المتحدة وجائزة باندورا بايس في بريطانيا) فإنها تلقت عقوبة سجن فعلي لمدة أربع سنوات ونصف سنة وذلك لأنها تحدثت عن الرقابة (وقد خفضت العقوبة الى ستة أشهر).
وقد اوضحت شهلا الحجي أن : "قضية المرأة لا تزال حساسة. وعبارة "الحركة النسائية الاسلامية" تطرح مشكلة لأن الناس يظنون أنك تعتقدين نفسك أرفع من الرجل وأنك تتنزهين عارية تماماً. والمشكلة هي أن الدين قد اقتحم الحياة العائلية وما نحتاجه هو فصل الدين عن الدولة. فهم [تقصد الملالي] يريدون تعميق حالة الفصل عبر إنشاء حدائق عامة وباصات مخصصة للنساء الخ. في حين أن ما نريده نحن فعلاً هو تثقيف الرجال". وقد منعت السيدة الحجي من الكلام علناً. وكالجميع في إيران هي تخضع للقانون فترتدي الحجاب "لأن هذا هو القانون حتى وإن كنت لا أحب ما يعنيه أي "أيتها النساء أنتن أصل الخطيئة" ".
لكنها لا تضعف بل هي بالعكس مفعمة بالأمل، وتتحدث عن مفاعيل الحرب على العراق في ثمانينات القرن الماضي: "أصبحت بعض النساء ربات عائلة وهذا ما أكسبهن الثقة. تلك كانت البداية أما اليوم فان الجيل الجديد يقوم بأمور مذهلة وعندنا الكثير من المواهب. تأملي في السينما! صحيح أن ليس فيها الكثير من الأدوار النسائية ولا يمكن أن يحدث فيها احتكاك بين الجنسين، لكن أنظري كم هناك من المخرجات البارزات في صفوف النساء! وهناك المجازات جميعاً، فتيات على مقاعد الجامعة يدرسن الرياضيات أو المعلوماتية. وفي العام الماضي كان أكثر من 62 في المئة من طلاب السنة الأولى من النساء. ومع كل الحدود التي تفرض علينا فان هذا بكل بساطة يعتبر أمراً باهراً".
ونوشين أحمدي خراساني (35 عاماً) هي شخصية أخرى منفتحة وعلمانية وتصدر مجلة فصلية "فصل زنان" (موسم المرأة) وتناضل من أجل حقوق الانسان. وتدير الى جانب السيدة بارفان أردلان، المركز الثقافي للمرأة. وهن يقدمن عروضاً علنية منذ العام 1999 بالرغم من المضايقات الرسمية الهائلة التي يتعرضن لها. وقد توصلن الى إنشاء جمعية غير حكومية بعد أن استغرقهن ذلك سنتين إذ لم يحصلن على أي منافع أو تمويلات من التي تمنح للجمعيات غير العلمانية. وتصرح السيدتان أحمدي خراساني وأردلان علناً أنهما من انصار الحركة النسائية: "ونحن علمانيات ولسن بحاجة الى التصريح بذلك. ففي إيران يعتبر الأمر واضحاً من خلال عبارة "حقوق الانسان" التي تعني الفصل بين الدين والدولة. وحتى السنتين الأخيرتين كانت كلمة "نسوية" تعني أيضاً العلمانية. وشيرين عبادي نفسها لم تكن في تلك المرحلة تصرح بأنها من أنصار الحركة النسائية".