فقد اختلفت الرواية عن ورش من طريق الأزرق في ذكر البسملة بين السورتين
والوصل بينهما والسكت قليلا دون تنفس في كل سور القرآن الكريم.
وإلى ذلك أشار ابن بري في الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع بقوله:
وورش الوجهان عنه نقلا **** واسكت يسيرا تحظ بالصواب
أو صل له مبين الإعراب
فهذه ثلاثة أوجه لورش من طريق الأزرق: البسملة والسكت والوصل.
وأما من طريق الأصبهاني فليس له إلا الفصل بالبسملة.
واختار له بعض القراء المتأخرين كابن غلبون السكت بين أربع سور على اعتبار
رواية الوصل. قال الداني في التيسير: وليس في ذلك أثر يروى عنهم وإنما هو
استحباب بعض الشيوخ.
قال ابن الجزري في النشر: واختار بعض أهل الأداء عمن وصل السورة بالسورة
السكت بين المدثر والقيامة وبين الانفطار والتطفيف، وبين الفجر والبلد،
وبين العصر والهمزة من أجل بشاعة وصل اسم الله والمغفرة والصبر بما بعدها.
وكذلك اختاروا عمن سكت الفصل بالبسملة في هذه المواضع الأربعة.
وإلى هذا القول أشار صاحب الدرر بقوله:
وبعضُهم بسمَلَ عن ضَرورَةْ **** في الأربع المعلومة المشهورةْ
للفصل بين النَّفْي والإثباتِ **** والصَّبرِ واسمِ الله والوَيْلاتِ
والسَّكتُ أَوْلى عند كل ذي نَظَرْ **** لأنَّ وَصْفَهُ الرَّحيمَ مُعتبَرْ
وقد رد كثير من أهل العلم القول بالبسملة بين السور الأربعة المذكورة لأنه
لم يرو عن ورش ولأنه إذا كان الداعي إليه الفرار من القبح، فإن المبسمل
واقع في القبح أيضا، لأنه يصل اسم الله تعالى الرحيم بالويل والنفي، ولأن
ما ذكروه وفروا منه غير مسلم، لأنه موجود بكثرة في القرآن الكريم.
قال صاحب النجوم: والسكت اليسير دون تنفس هو الأولى، لأن وصف الرحيم ينبغي
أن يعتبر فيه عند وصله ما اعتبروه في اسم الله والمغفرة والصبر من القبح
عند الوصل بالويل والنفي.
فالمصير إلى السكت أولى لزوال قبح اللفظ به مع كونه منقولا عن ورش وتخصيص
البسملة بالسور الأربعة غير منقول عنه.
على أن ما ذكروه من القبح غير مسلم إذ وقع في القرآن العظيم كثير من ذلك:
الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ {البقرة: 255} الْعَظِيمُ * لَا إِكْرَاهَ
{البقرة: 255-256} نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ {المرسلات: 44-45}.
وليس في ذلك قبح إذا استوفى القارئ الكلام الثاني وتممه، انظر النجوم
الطوالع شرح الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع.
وعلى هذا فالسور التي اختار بعضهم البسملة بينها لورش أربع كما سبق بيانه،
ولم نقف على من قال بالوقف.
وإنما قال بعضهم بالسكت يسيرا وهو مروي عن ورش، ورجحه المحققون بالنسبة لمن
يصل على اعتبار أن في الوصل بين السور الأربعة المذكورة القبح المزعوم وهو
السبب الذي دعا بعضهم إلى القول بالفصل بالبسملة.
والله أعلم.