بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا
محمد وعلى آله وصحبه اجمعين:
ايها الاخوة في الله هذا الباب نقلا من كتاب (النشر في القراءات العشر)
للحافظ ابن الجزري رحمه الله
(تم نسخه من المكتبة الشاملة) ارجوا ان ينفع الله به الجميع ولا تنسونا
بالدعاء.
باب اختلافهم في الاستعاذة
والكلام عليها من وجوه (الأول) في صيغتها وفيه مسألتان:
(الأولى) أن المختار لجميع القراء من حيث الرواية (أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم) كما ورد في سورة النحل فقد حكى الأستاذ أبو طاهر ابن سوار وأبو
العز القلانسي وغيرهما الاتفاق على هذا اللفظ بعينه. وقال الإمام أبو الحسن
السخاوي في كتابه "جمال القراء" إن الذي عليه إجماع الأمة هو: (أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم) وقال الحافظ أبو عمرو الداني أنه هو المستعمل عند
الحذاق دون غيره. وهو المأخوذ به عند عامة الفقهاء: كالشافعي، وأبي حنيفة
وأحمد وغيرهم، وقد ورد النص بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي
الصحيحين من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: استب رجلان عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر
وجهه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما
يجده- لو قال- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. الحديث لفظ البخاري في باب
الحذر من الغضب في كتاب الأدب. ورواه أبو يعلي الموصلي في مسنده عن أبي كعب
رضي الله عنه وكذا رواه الإمام أحمد والنسائي في عمل اليوم والليلة وهذا
لفظه نصاً. وأبو داود ورواه أيضاً الترمذي من حديث معاذ بن جبل بمعناه.
وروى هذا اللفظ من التعوذ أيضاً من حديث جبير بن مطعم ومن حديث عطاء بن
السائب عن السلمي عن ابن مسعود. وقد روى أبو الفضل الخزاعي عن المطوعي عن
الفضل بن الحباب عن روح بن عبد المؤمن، قال قرأت على يعقوب الحضرمي فقلت:
أعوذ بالسميع العليم. فقال لي قل (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فإني قرأت
على سلام بن المنذر فقلت : أعوذ بالسميع العليم فقال لي قل (أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم) فإني قرأت على عاصم بن بهدلة فقلت أعوذ بالسميع العليم
فقال لي قل (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فإني قرأت على زر بن حبيش فقلت:
أعوذ بالسميع العليم فقال لي قل
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فإني قرأت على عبد اللهبن مسعود فقلت: أعوذ
بالسميع العليم فقال لي قل (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فإني قرأت على
النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أعوذ بالسميع العليم فقال لي يا ابن أم عبد
قل (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) هكذا أخذته عن جبريل عن ميكائيل عن
اللوح المحفوظ.
جديث غريب جيد الإسناد من هذا الوجه (ورويناه مسلسلاً)من طريق روح أيضاً
قرأت على الشيخ الإمام العالم العارف الزاهد جمال الدين أبي محمد، محمد ابن
محمد بن محمد بن محمد بن الجمالي النسائي مشافهة فقلت أعوذ بالسميع العليم
فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على الشيخ الإمام
شيخ السنة سعد الدين محمد بن مسعود ابن محمد الكارزيني فقلت: أعوذ بالسميع
العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على أبي
الربيع علي بن عبد الصمد بن أبي الجيش: أعوذ بالسميع العليم فقال لي قل:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على والدي: أعوذ بالسميع العليم
فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على محي الدين أبي
محمد يوسف بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أعوذ بالسميع العليم
فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على والدي أعوذ
بالسميع العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على
أبي الحسن على بن يحيى البغدادي أعوذ بالسميع العليم فقال لي قل: أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على أبي بكر محمد بن عبد الباقي
الأنصاري: أعوذ بالسميع العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
فإني قرأت على عناد بن إبراهيم النسفي: أعوذ بالسميع العليم فقال لي قل:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على محمود بن المثنى بن المغيرة.
أعوذ بالله السميع العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني
قرأت على أبي عصمة محمد بن أحمد السجزي: أعوذ بالله السميع العليم فقال لي
قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على أبي محمد عبد الله بن
عجلان بن عبد الله الزنجاني: أعوذ بالله السميع العليم فقال لي قل: أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على أبي عثمان سعيد بن عبد الرحمن
الأهوازي: أعوذ بالله السميع العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم. فإني قرأت على محمد بن عبد الله بن بسطام: أعوذ بالله السميع
العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على روح ابن
عبد المؤمن: أعوذ بالله السميع العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم. فإني قرأت على يعقوب بن إسحاق الحضرمي: أعوذ بالله السميع العليم
فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على سلام بن المنذر:
أعوذ بالله السميع العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني
قرأت على عاصم بن أبي النجود: أعوذ بالله السميع العليم فقال لي قل: أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على زر بن حبيش: أعوذ بالله السميع
العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على عبد الله
بن مسعود: أعوذ بالله السميع العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم. فإني قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بالله السميع
العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فإني قرأت على جبريل:
أعوذ بالله السميع العليم فقال لي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ثم
قال لي جبريل هكذا أخذت عن ميكائيل وأخذها ميكائيل عن اللوح المحفوظ.
(وقد أخبرني) بهذا الحديث أعلى من هذا شيخاي الإمامان، الولي الصالح أبو
العباس أحمد بن رجب المقرئ وقرأت عليه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
والمقرئ المحدث الكبير يوسف بن محمد السومري البغداديان فيما شافهنيّ به،
وقرأ على أبي الربيع ابن أبي الحبش المذكور وأخبرني به عالياً جداً جماعة
من الثقات منهم أبو حفص عمر بن الحسن بن مزبد بن أميلة المراغي، وقرأت عليه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، عن شيخه الإمام أبي الحسن علي بن أحمد بن
عبد الواحد ابن البخاري، قال أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن
محمد بن الجوزي في كتابه فذكره بإسناده، وروى الخزاعي أيضاً في كتابه
المنتهى بإسناد غريب عن عبد الله بن مسلم بن يسار قال قرأت على أبي ابن كعب
فقلت أعوذ بالله السميع العليم فقال يا بني عمن أخذت هذا؟ قل أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم كما أمرك الله عز وجل.
(الثانية) دعوى الإجماع على هذا اللفظ بعينة مشكلة والظاهر أن المراد على
أنه المختار فقد ورد تغيير هذا اللفظ والزيادة عليه والنقص منه كما سنذكره
ونبين صوابه (وأما أعوذ) فقد نقل عن حمزة فيه، أستعيذ، ونستعيذ، واستعذت
ولا يصح.وقد اختاره بعضهم كصاحب الهداية من الحنفية قال لمطابقة لفظ القرآن
يعني قوله تعالى (فاستعذ بالله) وليس كذلك وقول الجوهري: عذت بفلان
واستعذت به أي لجأت إليه، مردود عند أئمة اللسان بل لا يجزى ذلك على الصحيح
كما لا يجزى: أتعوذ، ولا تعوذت، وذلك لنكتة ذكرها الإمام الحافظ العلامة
أبو أمامة محمد بن علي بن عبد الرحمن ين النقاش رحمه الله تعالى في كتابه
اللاحق السابق والناطق الصادق في التفسير فقال: بيان الحكمة التي لأجلها لم
تدخل السين والتاء في فعل المستعيذ الماضي والمضارع فقد قيل له: استعذ، بل
لا يقال إلا أعوذ دون أستعيذ وأتعوذ واستعذت وتعوّذت. وذلك أن السين
والتاء شأنهما منه أن الدلالة على الطلب فوردتا إيذانا بطلب التعوذ فمعنى
استعذت بالله أطلب منه أن يعيذك. فإمتثال الأمر هو أن يقول، أعوذ بالله،
لأن قاتله متعوذ أو مستعيذ قد عاذ والتجأ والقائل أستعيذ بالله ليس يعائذ
إنما وهو طالب العياذ كما تقول أستخير أي طلب خيرته وأستقيلته أي طلب
إقالته وأستغفره وأستقيله أي أطلب مغفرته؛ في فعل الأمر إيذانا بطلب هذا
المعنى من المعاذية فإذا قال المأمور أعوذ بالله فقد امتثل ما طلب منه فإنه
طلب منه نفس الاعتصام والالتجاء وفرق الاعتصام وبين طلب ذلك فلما كان
المستعيذ هارباً ملتجأً معتصماً بالله أني بالفعل الدال على طلب ذلك
فتأمله. قال والحكمة التي لأجلها امتثل المستغفر الأمر بقوله لها استغفر
الله أنه يطلب المغفرة التي لا تتأتي إلا منه بخلاف العادي والعياذ واللجأ
والاعتصام فامتثل الأمر بقوله استغفر الله أي أطلب منه أن يغفر لي، أنهى
ولله دره ما ألطفه وأحسنه؛ فإن قيل فما تقول في الحديث
الذي رواه الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره: حدثنا أبو كريب. ثنا
عثمان بن سعيد.
ثنا بشر بن عمارة. ثنا أبو روق. عن الضحاك. عن عبد الله بن عباس قال: أول
ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد استعذ، قال أستعيذ
بالسميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم. أقرأ
باسم ربك؟ قلت ما أعظمه مساعداً لمن قال به لو صح فقد قال شيخنا الحافظ أبو
الفداء إسماعيل بن كثير رحمة الله بعد إيراده: وهذا إسناذ غريب. قال وإنما
ذكرناه ليعرف. فإن في إسناده ضعفاً وانقطاعاً. قلت ومع ضعفه وانقطاعه
وكونه ولا تقوم به حجة فإن الحافظ أبا عمرو الداني رحمة الله تعالى رواه
على الصواب من حديث أبي روق أيضاً عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: أول ما
نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم علمه الاستعاذة. قال
يا محمد قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ثم قال قل: بسم الله الرحمن
الرحيم.
والقصد أن الذي تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم في التعوذ للقراءة
ولسائر تعوذاته من روايات لا تحصى كثرة ذكرناها في غير هذا الموضع هو لفظ:
أعوذ. وهو الذي أمره الله تعالى به وعلمه إياه فقال "وقل ربي أعوذ بك من
همزات الشياطين، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس" وقال عن موسى عليه
السلام "أعوذ بالله من أن أكون من الجاهلين، إني عذت بربي وربكم" وعن مريم
عليها السلام "أعوذ بالرحمن منك" وفي صحيح أبي عوانة عن زيد ابن مثبت رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله
من عذاب النار. قلنا نعوذ بالله من عذاب النار- قال: تعوذوا بالله من
الفتن ما ظهر منها وما بطن. قلنا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قال تعوذوا بالله من فتنة الدجال. قلنا نعوذ بالله من فتنة الدجال فلم
يقولوا في شيء من جوابه صلى الله عليه وسلم نتعوذ بالله ولا تعوذنا على طبق
اللفظ الذي أمروا به كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل استعيذ بالله ولا
استعذت على طبق اللفظ الذي أمره الله به ولا كان صلى الله عليه وسلم
وأصحابه يعدلون عن اللفظ المطابق الأول المختار إلى غيره بل كانوا هم أولى
بالاتباع وأقرب إلى الصواب وأعرف بمراد الله تعالى: كيف وقد علمنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم كيف يستعاذ فقال: إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من
أربع: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا
والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال. رواه مسلم وغيره ولا أصرح من ذلك
(وأما بالله) فقد جاء عن ابن سيرين: أعوذ بالسميع العليم. وقيده بعضهم
بصلاة الطوع. ورواه أبو علي الأهوازي عن ابن واصل وغيره عن حمزة، وفي صحة
ذلك عنهما نظر (وأما الرحيم) فقد ذكر الهذلي في كامله عن شبل بن حميد يعني
ابن قيس أعوذ بالله القادر، من الشيطان الغادر، وحكي أيضاً عن أبي زيد عن
أبي السماك "أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي"
وكلاهما لا يصح (وأما تغييرهما) بتقديم وتأخير ونحوه فقد روى ابن ماجة
بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم: اللهم أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم. وكذا رواه أبو
داود من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلة عن معاذ بن جبل وهذا لفظه والترمذي
بما معناه وقال مرسل. يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذاً لأنه
مات قبل سنة عشرين ورواه ابن ماجة أيضاً بهذا اللفظ عن جبير بن مطعم
واختاره بعض القراء. وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا
خرج أحدكم من المسجد فليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم. رواه ابن ماجة،
وهذا لفظه والنسائي من غير ذكر الرجيم. وفي كتاب ابن السني: اللهم أعذني
من الشيطان الرجيم وفيه أيضاً عن أبي أمامة رضي الله عنه: اللهم إني أعوذ
بك من إبليس وجنوده. وروى الشافعي في مسنده عن أبي هريرة: أنه تعوذ في
المكتوبة رابعاً صوته: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم (وأما الزيادة)
فقد وردت بألفاظ منها ما يتعلق بتنزيه الله تعالى (الأول) "أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم" نص عليها الحافظ أبو عمرو الداني في
جامعه وقال أن على استعماله عامة أهل الأداء من أهل الحرمين والعراقيين
والشام ورواه أبو علي الأهوازي أداه عن الأزرق بن الصباح وعن الرفاعي عن
سليم وكلاهما عن حمزة ونصاً على أبي حاتم. ورواه الخزاعي عن أبي عدي عن ورش
أداء (قلت) وقرأت أنا به في اختيار أبي حاتم السجستاني. ورواية حفص ممن
طريق هبيرة. وقد رواه أصحاب السنن الأربعة وأحمد عن أبي سعيد الخدري بإسناد
جيد. وقال الترمذي هو أشهر حديث في هذا الباب. وفي مسند أحمد بإسناد صحيح
عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يصبح ثلاث
مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم قرأ ثلاث آيات من آخر
سورة الحشر.وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى
يمسي وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا. ومن قالها حين يمسي كان بتلك
المنزلة) رواه الترمذي وقال حسن غريب (الثاني)- (أعوذ بالله العظيم من
الشيطان الرجيم) ذكره الداني أيضاً في جامعه عن أهل مصر وسائر بلاد المغرب
وقال أنه استعمله منهم اكثر أهل الأداء. وحكاه أبو معشر الطبري في سوق
العروس عن أهل مصر أيضاً وعن قنبل والزينبي ورواه الأهوازي عن المصريين عن
ورش وقال على ذلك وجدت أهل الشام في الاستعاذة إلا أني لم أقرأ بها عليهم
من طريق الأداء عن ابن عامر وإنما هو شيء يختارونه ورواه أداء عن أحمد بن
جبير في اختياره وعن الزهري وأبي بحرية وابن منادر وحطاه الخزاعي عن
الزينبي عن قنبل ورواه أبو العز أداء عن أبي عدي عن ورش ورواه الهذلي عن
ابن كثير في غير رواية الزينبي (الثالث) – ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
إن الله هو السميع العليم) رواه الأهوازي عن أبي عمرو. وذكره أبو معشر عن
أهل مصر والمغرب ورويناه من طريق الهذلي عن أبي جعفر وشيبة ونافع في غير
رواية أبي عدي عن ورش. وحكاه الخزاعي وأبو الكرم الشهرزوري عن رجالهما عن
أهل المدينة وابن عامر والكسائي وحمزة في أحد وجوهه. وروى عن عمر ابن
الخطاب ومسلم بن يسار وابن سيرين والثوري (وقرأت أنا) به في قراءة الأعمش
إلا أنه في رواية الشنبوذي عنه أدغمت الهاء في الهاء (الرابع) – (أعوذ
بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) رواه الخزاعي عن هبيرة عن حفص قال
وكذا في حفظي عن ابن الشارب عن الزينبي عن قنبل، وذكره الهذلي عن أبي عدي
عن ورش (الخامس) – (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع
العليم) رواه الهذلي عن الزينبي عن ابن كثير (السادس) – (أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم. إن الله هو السميع العليم) ذكره الأهوازي
عن جماعة (وقرأت به) في قراءة الحسن البصري (السابع) أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم واستفتح الله وهو خير الفاتحين رواه أبو الحسين
الخبازي عن شيخه أبي بكر الخوارزمي عن ابن مقسم عن إدريس عن خلف عن حمزة
(الثامن)- أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان
الرجيم. رواه أبو داود في الدخول إلى المسجد عن عمرو بن العاص عن النبي صلى
الله عليه وسلم وقال إذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم إسناده
جيد وهو حديث حسم ووردت بألفاظ تتعلق بشتم الشيطان نحو (أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم الخبيث المخبث والرجس النجس)كما رويناه في كتابي الدعاء
لأبي القاسم الطبراني وعمل اليوم والليلة لأبي بكر بن السني عن ابن عمر رضي
الله عنها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال
(اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم)وإسناده
ضعيف ووردت أيضاً بألفاظ تتعلق بما يستعاذ منه ففي حديث جبير بن مطعم ( من
الشيطان الرجيم من همزة ونفثه ونفخه) رواه ابن ماجة وهذا لفظه وأبو داود
والحاكم وابن حبان في صحيحهما. وكذا في حديث أبي سعيد وفي حديث ابن مسعود:
من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه.
وفسروه فقالوا: همزه الجنون، ونفثه الشعر، ونفخه الكبر (وأما النقص) فلم
يتعرض للتنبيه عليه اكثر أئمتنا. وكلام الشاطبي رحمه الله يقتضي عدمه
والصحيح جوازه لما ورد فقد نص الحلواني في جامعه على جواز ذلك فقال وليس
للاستعاذة حد ينتهى إليه. من شاء زاد ومن شاء نقص أي بحسب الرواية كما
سيأتي، وفي سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعم (أعوذ بالله من الشيطان) من
غير ذكر الرجيم وكذا رواه غيره. وتقدم في حديث أبي هريرة من رواية النسائي
"اللهم اعصمني من الشيطان" من غير ذكر الرجيم.
فهذا الذي أعلمه ورد في الاستعاذة من الشيطان في حال القراءة وغيرها. ولا
ينبغي أن يعدل عما صح منها حسبما ذكرناه مبيناً ولا يعدل عما ورد عن السلف
الصالح فإنما نحن متبعون لا مبتدعون. قال الجعبري في شرح قول الشاطبي وإن
تزد لربك تنزيها فلست مجهلا. هذه الزيادة وإن أطلقا وخصها فهي مقيده
بالرواية. وعامة في غير التنزيه.
الثاني
في حكم الجهر بها والإخفاء وفيه مسائل
(الأولى) أن المختار عند الأئمة القراء هو الجهر بها عن جميع القراء لا
نعلم في ذلك خلافاً عن أحد منهم إلا ما جاء عن حمزة وغيره مما نذكره وفي كل
حال من أحوال القراءة كما نذكره قال الحافظ أبو عمرو في جامعه: لا أعلم
خلافاً في الجهر بالاستعاذة عند افتتاح القرآن وعند ابتداء كل قارئ بعرض أو
درس أو تلقين في جميع القرآن إلا ما جاء عن نافع وحمزة ثم روى عن ابن
المسيبي أنه سئل عن استعاذة أهل المدينة أيجهرون بها أم يخفونها؟ قال ما
كنا نجهر ولا نخفي،ما كنا نستعيذ البتة. وروى عن أبيه عن نافع أنه كان يخفي
الاستعاذة ويجهر بالبسملة عند افتتاح السور ورؤوس الآيات في جميع القرآن.
وروى أيضاً عن الحلواني قال خلف: كنا نقرأ على سليم فنخفي التعوذ ونجهر
بالبسملة في الحمد خاصة ونخفي التعوذ والبسملة في سائر القرآن نجهر برؤوس
أثمنتها وكانوا يقرأون على حمزة فيفعلون ذلك، قال الحلواني: وقرأت على خلاد
ففعلت ذلك. قلت صح إخفاء التعوذ من رواية المسيبي عن نافع وانفرد به الولي
عن إسماعيل بن نافع وكذلك الأهوازي عن يونس عن ورش وقد ورد من طرق كتابنا
عن حمزة على وجهين: أحدهما إخفاؤه وحيث قرأ القارئ مطلقا أي في أول الفاتحة
وغيرها وهو الذي لم يذكر أبو العباس المهدوي عن حمزة من روايتي خلف وخلاد
سواء وكذا روى الخزعي عن الحلواني عن خلف وخلاد. وكذا ذكر الهذلي في كامله
وهي رواية إبراهيم بن زربى عن سليم عن حمزة. الثاني: الجهر بالتعوذ في أول
الفاتحة فقط وإخفاؤه في سائر
القرآن، وهو الذي نص عليه في المبهج عن خلف عن سليم وفي اختياره وهي رواية
محمد بن لاحق التميمي عن سليم عن حمزة ورواه الحافظ الكبير أبو الحسن
الدارقطني في كتابه عن أبي الحسن بن المنادي عن الحسن بن العباس عن
الحلواني عن خلف عن سليم عن حمزة أنه كان يجهر بالاستعاذة والبسملة في أول
سورة فاتحة الكتاب ثم يخفيها بعد ذلك في جميع القرآن. وقرأت على خلاد فلم
يغير علي وقال لي كان سليم يجهر فيهما جميعاً ولا ينكر على من جهر ولا على
من أخفى، وقال أبو القاسم الصفراوي في الإعلان: واختلف عنه يعني عن حمزة
أنه كان يخفيها عند فاتحة الكتاب وكسائر المواضع أو يستثني فاتحة الكتاب
فيجهر بالتعوذ عندها فروى عنه الوجهان جميعاً انتهى. وقد انفرد أبو إسحاق
إبراهيم ابن أحمد الطبري عن الحلواني عن قالون بإخائها في جميع القرآن.
(الثانية) أطلقوا اختيار الجهر في الاستعاذة مطلقاً ولا بد من تقييده وقد
قيده الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى بحضرة من يسمع قراءته ولا بد من ذلك
قال لأن الجهر بالتعوذ إظهار لشعائر القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات
العيد، ومن فوائده أن السامع ينصت القراءة من أولها لا يفوته منها شيء.
وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته من المقروء شيء.
وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصلاة وفي الصلاة فن المختار في
الصلاة الإخفاء لأن المأموم منصت من أول الإحرام بالصلاة، وقال الشيخ محي
الدين النووي رحمه الله: إذا تعوذ في الصلاة التي يسر فيه بالقراءة أسر
بالتعوذ فإن تعوذ في التي يجهر فيها بالقراءة فهل يجهر؟ فيه خلاف، من
أصحابنا من قال يسر. وقال الجمهور والشافعي في المسألة قولان: أحدهما يستوي
الجهر والإسرار وهو نصه في الأم والثاني يسن الجهر وهو نصه في الإملاء
ومنهم من قال قولان أحدهما يجهر صححه الشيخ أبو حامد الاسفرابيني إمام
أصحابنا العراقيين وصاحبه المحاملي وغيره وهو الذي كان يفعله أبو هريرة وإن
ابن عمر رضي الله عنهما يسر وهو الأصح عند جمهور أصحابنا وهو المختار
(قلت) حكى صاحب البيان القولين على وجه آخر فقال أحد القولين إنه يتخير بين
الجهر والسر ولا ترجيح والثاني يستحب فيه الجهر ثم نقل عن أبي علي الطبري
أنه يستحب فيه الإسرار وهذا مذهب أبي حنيفة واحمد ومذهب مالك في قيام
رمضان. زمن المواضع التي يستحب فيها الإخفاء إذا قرأ خالياً سواء قرأ جهراً
أو سراً ومنها إذا قرأ سراً فإنه يسر أيضاً ومنها إذا قرأ في الدور ولم
يكن في قراءته مبتدئاً يسر بالتعوذ لتتصل القراءة ولا يتخللها أجنبي فإن
المعنى الذي من أجله استحب الجهر هو الإنصات فقط في هذه المواضع.
(الثالثة) اختلف المتأخرون في المراد بالإخفاء فقال كثير منهم هو الكتمان
عليه وحمل كلام الشاطبي أكثر الشراح فعلى هذا يكفي فيه الذكر في النفس من
غير تلفظ. وقال الجمهور: المراد به الإسرار، وعليه حمل الجعبري كلام
الشاطبي فلا يكفي فيه التلفظ وإسماع نفسه وهذا هو الصواب لأن نصوص
المتقدمين كلها على جعله ضدا للجهر وكونه ضداً للجهر يقتضي الإسرار به
والله تعالى أعلم.
(فأما قول) ابن المسيبي ما كنا نجهر ولا نخفي ما كنا نستعيذ البتة فمراده
الترك رأساً كما هو مذهب مالك رحمه الله تعالى كما سيأتي.
الثالث في محلها
وهو قبل القراءة إجماعاً ولا يصح قول بخلافه عن أحد ممن يعتبر قوله: وإنما
آفة العلم التقليد فقد نسب إلى حمزة وأبي حاتم. ونقل عن أبي هريرة رضي الله
عنه وابن سيرين وإبراهيم النخعي. وحكى عن مالك وذكر أنه مذهب داود بن علي
الظاهري وجماعته عملاً بظاهر الآية وهو: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله)
فدل على أن الاستعاذة بعد القراءة وحكى قول آخر وهو الاستعاذة قبل وبعد
ذكره الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره ولا يصح شيء في هذا عمن نقل عنه
ولا ما استدل به لهم. أما حمزة وأبو حاتم فالذي ذكر ذلك عنهم هو أبو القاسم
الهذلي فقال في كامله قال حمزة في رواية ابن فلوقا إنما يتعوذ بعد الفراغ
من القرآن وبه قال أبو حاتم (قلت) أما رواية ابن فلوقا عن حمزة فهي منقطعة
في الكامل لا يصح إسنادها وكل من ذكر هذه الرواية عن حمزة من الأئمة
كالحافظين أبي عمرو الداني وأبي العلاء الهمداني وأبي طاهر بن سوار وأبي
محمد سبط الخياط وغيرهم لم يذكروا ذلك عنه ولا عرجوا عليه. وأما أبو حاتم
فإن الذين ذكروا روايته واختياره كابن سوار وابن مهران وأبي معشر الطبري
والإمام أبي محمد البغوي وغيرهم لم يذكروا شيئاً ولا حكوه. وأما أبو هريرة
فالذي نقل عنه رواه الشافعي في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة ابن
عثمان عن صال بن أبي صالح أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعاً صوته
(ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم) في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن.
وهذا الإسناد لا يحتج به لأن إبراهيم بن محمد هو الاسلمي وقد أجمع أهل
النقل والحديث على ضعفه ولم يوثقه سوى الشافعي، قال أبو داود: كان قدرياً
رافضياً مأبوتاً كل بلاء فيه. وصالح بن أبي صالح الكوفي ضعيف واه، وعلى
تقدير صحته لا يدل على الاستعاذة بعد القراءة بل يدل أنه كان يستعيذ إذا
فرغ من أم القرآن أي للسورة الأخرى وذلك واضح. فأما أبو هريرة هو ممن عرف
بالجهر بالاستعاذة. وأما ابن سيرين والنخعي فلا
يصح عن واحد منهما عند أهل النقل. وأما مالك فقد حكاه عنه القاضي أبو بكر
بن العربي في المجموعة. وكفى في الرد والشناعة على قائله. وأما داود
وأصحابه فهذه كتبهم موجودة لا تعد كثرة لم يذكر فيها أحد شيئاً من ذلك. وقد
نص ابن حزم إمام أهل الظاهر على التعوذ قبل القراءة ولم يذكر غير ذلك
(وأما الاستدلال) بظاهر الآية فغير صحيح بل هي جارية على أصل لسان العرب
وعرفه وتقديرها عند الجمهور إذا أردت القراءة فاستعذ وهو كقوله تعالى (إذا
أقمتم الصلاة فاغسلوا وجوهكم) وكقوله صلى الله عليه وسلم " من أتى الجمعة
فليغتسل" وعندي أن الأحسن في تقديرها: إذا ابتدأت وشرعت كما في حديث جبريل
عليه السلام: فصلى الصبح حين طلع الفجر. أي أخذ في الصلاة عند طلوعه. ولا
يمكن القول بغير ذلك. وهذا بخلاف قوله في الحديث: ثم صلاها بالغد بعد أن
أسفر. فإن الصحيح أن المراد بهذا الابتداء خلافاً لمن قال أن المراد
الانتهاء.
ثم أن المعنى الذي شرعت الاستعاذة له يقتضي أن تكون قبل القراءة لأنها
طهارة الفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له. وتهيؤ لتلاوة كلام
الله تعالى فهي التجاء إلى الله تعالى واعتصام بجنابه من خلل يطرأ عليه أو
خطأ يحصل منه في القراءة وغيرها وإقرار له بالقدرة. واعتراف للعبد بالضعف
والعجز عن هذا العدو الباطن الذي لا يقدر على دفعه ومنعه إلا الله الذي
خلقه، فهو لا يقبل مصانعة ولا يدارى بإحسان ولا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه
جميل بخلاف العدو الظاهر من جنس الإنسان كما دلت عليه الآي الثلاث من
القرآن التي أرشد فيها إلى رد العدو الإنساني فقال تعالى في الأعراف (خذ
العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين) فهذا ما يتعلق بالعدو الإنساني ثم
قال (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعد بالله) الآية. وقال في المؤمنون
(ادفع بالتي هي أحسن السيئة) ثم قال (وقل رب أعوذ بك) الآية. وقال في
فُصِّلت (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة) الآيات. وقلت في
ذلك وفيه أحسن الاكتفاء وأملح الاقتفاء.
شيطاننا المغوي عدو فاعتصم ... بالله منه والتجي وتعوذ
وعدوك الإنسي دار وداده ... تملكه وادفع بالتي فإذا الذي
(الرابع) في الوقف على الاستعاذة وقل من تعرض لذلك من مؤلفي الكتب. ويجوز
الوقف على الاستعاذة والابتداء بما بعدها بسملة كان أو غيرها ويجوز وصله
بما بعدها والوجهان صحيحان. وظاهر كلام الداني رحمه الله أن الأولى وصلها
بالبسملة لأنه قال في كتابه "الاكتفاء" الوقف على آخر التعوذ تام وعلى آخر
البسملة أتم وممن نص على هذين الوجهين الإمام أبو جعفر بن الباذش ورجح
الوقف ورجح الوقف لمن مذهبه الترتيل فقال في كتابه "الإقناع" لك أن تصلها
أي الاستعاذة بالتسمية في نفس واحد وهو أتم ول أن تسكت عليها ولا تصلها
بالتسمية وذلك أشبه بمذهب أهل الترتيل. فأما من لم يسمِّ يعني مع الاستعاذة
فالأشبه عندي أن يسكت عليها ولا يصلها بشيء من القرآن ويجوز وصلها. قلت
هذا أحسن ما يقال في هذه المسألة. ومراده بالسكت الوقف لإطلاقه ولقوله في
نفس واحد. وكذلك نظمه الأستاذ أبو حيان في قصيدته حيث قال: وقف بعد أوصلا.
وعلى الوصل لو التقى مع الميم مثلها نحو: الرحيم ما ننسخ. أدغم لمن مذهبه
الإدغام كما يجب حذف همزة الوصل في نحو: الرحيم. اعلموا أن الحياة الدنيا.
ونحو: الرحيم القارعة. وقد ورد من طريق أحمد بن إبراهيم القصباني عن محمد
بن غالب عن شجاع عن أبي عمرو أنه كان يخفي الميم من الرحيم عند باء: بسم
الله. ولم يذكر ابن شيطا وأكثر العراقيين سوى وصل الاستعاذة بالبسملة كما
سيأتي في باب البسملة.
(الخامس) في حكم الاستعاذة استحباباً ووجوباً.
وهي مسألة لا تعلق للقراءات بها. ولكن لما ذكرها شراح الشاطبية لم يخل
كتابنا من ذكرها لما يترتب عليها من الفوائد. وقد تكفل أئمة التفسير
والفقهاء بالكلام فيها. ونشير إلى ملخص ما ذكر فيها من مسائل (الأولى) ذهب
الجمهور إلى أن الاستعاذة مستحبة في القراءة في كل حال: في الصلاة وخارج
الصلاة، وحملوا الأمر في ذلك على الندب، وذهب دود بن علي وأصحابه إلى
وجوبها حملاً للمر على الوجوب كما هو الأصل حتى أبطلوا صلاة من لم يستعذ.
وقد جنح الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله إلى القول بالوجوب وحكاه عن
عطاء بن أبي رباح واحتج له بظاهر الآية من حيث الأمر. والأمر ظاهره الوجوب
وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا
يتم الواجب إلا به فهو واجب. ولان الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب،
وقال ابن سيرين إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب وقال
بعضهم كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته حكى هذا من
القولين شيخنا الإمام عماد الدين بن كثير رحمه الله تعلى في تفسيره.
(الثانية) الاستعاذة في الصلاة للقراءة لا للصلاة. وهذا مذهب الجمهور
كالشافعي وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل. وقال أبو يوسف هي
للصلاة، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ويتعوذ في العيدين بعد
الإحرام وقبل تكبيرات العيد. ثم إذا قلنا بأن الاستعاذة للقراءة فقط فهل
قراءة الصلاة قراءة واحدة فتكفي الاستعاذة في أول ركعة أو قراءة كل ركعة
مستقلة بنفسها فلا يكفي قولان للشافعي. وهما روايتان عن أحمد. والأرجح
الأول الحديث أبي هريرة في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نهض
من الركعة الثانية استفتح القراءة ولم يسكت ولأنه لم يتخلل القراءتين
أجنبي بل تخللها ذكر فهي كالقراءة الواحدة حمد لله أو تسبيح أو تهليل أو
نحو ذلك. ورجح الإمام النووي وغيره الثاني، وأما الإمام مالك فإنه قال: لا
يستعاذ إلا في قيام رمضان فقط. وهو قول يعرف لمن قبله. وكأنه أخذ بظاهر
الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. ورأى أن هذا دليل
على ترك التعوذ فأما قيام رمضان فكأنه رأى الأغلب عليه جانب القراءة والله
أعلم.
(الثالثة) إذا قرأ جماعة جملة هل يلزم كل واحد الاستعاذة أو تكفي استعاذة
بعضهم؟ لم أجد فيها نصاً ويحتمل أن تكون عيناً على كل من القولين بالوجوب
والاستحباب والظاهر الاستعاذة لكل واحد لأن المقصود اعتصام القارئ والتجاؤه
بالله تعالى عن شر الشيطان كما تقدم فلا يكون تعوذ واحد كافياً عن آخر كما
اخترناه في التسمية على الأكل وذكرناه في غير هذا الموضع وأنه ليس من سنن
الكفايات والله أعلم.
(الرابعة) إذا قطع القارئ القراءة لعارض من سؤال أو كلام يتعلق بالقراءة لم
يعد الاستعاذة وبخلاف ذلك ما إذا كان الكلام أجنبياً ولو رداً للسلام فإنه
يستأنف الاستعاذة وكذا لو كان القطع إعراضاً عن القراءة كما تقدم والله
أعلم. وقيل يستعيذ واستدل له بما ذكره أصحابنا.