حياته من مولده
إلى بعثته .. ؟؟
نَسَبُه :
الرسول هو: (محمــد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشــم ابن عبد مناف بن
قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لُؤَيّ بن غالب بن فِهر بن مالك ابن النَّضر
بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان)
(رواه البخاري) ، وعدنان من ولد إسماعيل الذبيح بن إبراهيم عليهما
السلام.
وأبوه: عبد الله بن عبد المطلب، كان أجمل قريش (قبيلة قريش) وأحب شبابها
إليها، عاش طاهرًا كريمًا حتى تزوج بآمنة بنت وهب أم الرسول .
وأمّه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وزهرة هو أخو قصي بن
كلاب جد الرسول ، وكان أبوها سيد بني زهرة.
وجدّه: عبد المطلب بن هاشم، هو سيد قبيلة قريش، أعطته رياستها لخصاله
الوافرة، وقوة إرادته، وعزيمته على فعل الخير لكل الناس، وقد اشتهر بحفر
بئر (زمزم) التي تسقي الناس بمكة المكرمة إلى يومنا هذا.
مولده :
ولد النبي في يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، من
عــام الفيل، وقصة أصحاب الفيل معروفة ذكرها القرآن الكريم في سورة
الفيل(1ـ5)، وذلك أن أبرهة ملك اليمن أراد أن يهدم الكعبة (بيت الله الحرام
في مكة) فساق إليها جيشًا عظيمًا ومعهم فيل، فردّ الله كيدهم وحفظ الكعبة،
ورسول الله لا يزال جنينًا في بطن أمه التي رأت حين وضعته نورًا خرج منها
أضاءت منه قصور بُصرى من أرض الشام.
ومات أبوه عبد الله، وهو لا يزال جنينًا في بطن أمـــه، فلما ولد كان في
حجر جده عبد المطلب يرعاه وينظر حاجته هو وأمه.
مرضعاته :
جاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن أطفالاً يرضعنهم، فكان الرضيع المبارك
من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، واسم زوجها أبو كبشة، ودرّت البركات
على أهل ذاك البيت الذين أرضعوه مدة وجوده بينهم، وقد مكث فيهم ما يربو على
أربع سنوات.
وقد صحّ أن ثويبة -مولاة أبي لهب- أرضعته قبل أن تذهب به حليمة السعدية.
معجزة شق صدره :
وقعت هذه المعجزة للنبي مرتين، الأولى في بادية بني سعد وهو عند مرضعته
حليمة، وكان في الرابعة من عمره.
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك: (أن رسول الله أتاه جبريل
عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب،
فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء
زمزم، ثم لأَمه -أي جمعه وضم بعضه إلى بعض- ثم أعاده في مكانه، وجاء
الغلمان يسعون إلى أمّه -يعني ظِئْره أي مرضعته- فقالوا: إن محمدًا قد قتل،
فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنتُ أرى أثر المخيط في صدره) .
وأما المرة الثانية التي وقعت فيها تلك المعجزة فقد كانت في ليلة الإسراء
كما روى ذلك البخاري ومسلم .
وفاة آمنة أُمّه :
خافت حليمة وزوجها على محمد بعد حادثة شق الصدر، فعادا به إلى أُمِّه آمنة،
فمكث عندها إلى أن بلغ ست سنين، ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني
عدي بن النجار، تزورهم به، ومعها أم أيمن تحضنه، فأقامت عندهم شهرًا ثم
رجعت به إلى مكة فتوفيت بالأبواء (قرية على يمين الطريق المتجه إلى مكة
المكرمة من المدينة المنورة).
رعاية جّده عبد المطلب له :
ترك يُتم النبي في نفسه أبلغ الأثر، إذ وُلد يتيم الأب وماتت أمُّه وهو ابن
ست سنين، فلما توفيت ضمّه جدُّه عبد المطلب إليه ورقّ عليه رِقةً لم يرقها
على ولده، وقرّبه وأدناه، وإن قومًا من بني مدلج قالوا لعبد المطلب: احتفظ
به، فإنّا لم نر قدمًا أشبه بالقدم التي في المقام منه (هي أثر إبراهيم
عليه السلام في المقام الإبراهيمي بجوار الكعبة)، فقال عبد المطلب لأبي
طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به. فلما حضرت عبدَ المطلب
الوفاةُ أوصى أبا طالب بحفظه. ومات عبد المطلب فدفن بالحَجون (جبل بأعلى
مكة)، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، ولمحمد يومئذ ثماني سنين، ولا شك أن
محمدًا أحسَّ بفقدان جده عبد المطلب لما كان يَحْبُوه به من العطف
والرعاية.
كفالة عمه أبي طالب له :
أوصى عبد المطلب ابنه أبا طالب بحفظ رسول الله ورعايته، فلما توفي عبد
المطلب ضم أبو طالب رسولَ الله فكـان معــه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان
يحبّ محمدًا حبًّا شديدًا لا يحبه ولده، وكـان لا ينام إلا إلى جنبه،
ويخرج فيخرج معه، وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعًا أو
فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله شبعوا، فيقول أبو طالب: إنك
لمبارك.
ومما يدل على شدة محبة أبي طالب إياه، صحبته له في رحلته إلى الشام، ويبدو
أنه في فترة حضانة أبي طالب له ساعده محمد في رعي غنمه، وقد ثبت في البخاري
ومسلم أنه عمل على رعيها لأهل مكة، مقابل قراريط.
ولعل ضيق حال أبي طالب هو الذي دفع محمدًا إلى العمل لمساعدته. ورعـي الغنم
فيه دربة لرسول الله على رعاية البشر فيما بعد، فقد أَلِفَ العمـل والكفاح
منذ طفولته، واعتاد أن يهتم بما حوله، ويبذل العون للآخرين، وربما يذكرنا
رعيه للغنم بأحاديثه التي تحث على الإحسان للحيوان.
زواجه من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
لما بلغ رسول الله خمسًا وعشرين سنة، تزوج خديجة بنت خويلد، وهي من سيدات
قريش، ومن فضليات النساء، وكانت أرملة توفي زوجها أبو هالة، وكانت إذ ذاك
في الأربعين من عمرها، وقيل في الثامنة والعشرين، وكانت امرأة تاجرة،
تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم بشيء تجعله لهم.
وخديجة رضي الله عنها أول امرأة يتزوجها الرسول ، ولم يتزوج عليها في
حياتها، وولدت له كل ولده إلا إبراهيم، فولدت القاسم وعبد الله (الملقب
بالطيب والطاهر)، وثلاث بنات هن: أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية. أما إبراهيم
فقد ولدته مارية القبطية التي أهداها له مقوقس مصر.
وقد مات القاسم وعبد الله قبل الإسلام، أما البنات فأدركن الإسلام وأسلمن
رضي الله عنهن، وتوفيت خديجة رضي الله عنها قبل هجرة النبي إلى المدينة
بثلاث سنين.
وكان النبي يثني عليها، ويظهر محبتها وتأثره لدى ذكرها بعد وفاتها، فقد
كانت لها مواقف عظيمة في الإسلام، وفي نصرة الرسول والإيمان به.
مظاهر من حفظ الله عز وجل لرسوله قبل بعثته:
1 - حفظه صغيرًا بداية من إرضاعه واصطفائه من أوسط النسب وأشرفه، وولادته
من نكاح صحيح وليس من سفاح باطل.
2 - كفالة جده عبد المطلب -وهو سيد قريش- له طفلاً إلى أن بلغ الثامنة من
عمره وتوفي جدّه، فانتقل إلى كفالة عمه أبي طالب -وهو سيد قريش أيضًا-
وفـي ذلك ما فيه من المنعة. والتاريخ يحدّث بحب عبد المطلب وأبي طالب
الشديد للرسول .
3 - حفظه شابًا من أن يقع فيما يقع فيه الشباب من الفحش والخنا، والأدلة
على ذلك كثيرة منثورة في كتب السيرة، وقد اشتهر بين قومه وهو شاب بالصدق
والأمانة.
4 - حفظ قلبه طاهرًا فلم يعبد إلهًا غير الله عز وجل، ولم يسجد لصنم، ولم
يتمسح بوثن، ولم يحلف بغير الله، هذا مع بغضه الشديد لآلهة قومه (اللات
والعُزّى وغيرهما).
5 - إعداده إعدادًا معصومًا من نزغ الشيطان ونفثه، وحفظ باطنه صحيحًا،
وقد تجلى هذا في حادثة شق الصدر الأولى والثانية.
وجملة القول: إن الله تعالى هيأ لرسوله من الحفظ والرعاية ما جعله جديرًا
بتلقي الرسالة الخاتمة لهداية البشر.
البشارات برسالته :
جاءت في القرآن الكريم بشارة عيسى عليه السلام لقومه ببعثة محمد ، قال الله
عز وجل: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا
لما بين يديَّ من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما
جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) (الصف:6).
وجاءت في إنجيل برنابا عبارات مصرحة باسم النبي ، مثل العبارة: (163/7:
أجاب التلاميذ: يا معلم! مَن عسى أن يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه، الذي
سيأتي إلى العالم، أجاب يسوع بابتهاجِ قلبٍ: إنه محمد رسول الله).
وتكررت مثل هذه العبارات في إنجيل برنابا (حرمت الكنسية تداوله في آخر
القرن الخامس الميلادي وهو الآن مطبوع) ، وكذلك في إنجيل لوقا (2/14) بلفظ:
(أحمد)، وفي إنجيل يوحنا جاءت البشارة بلفظ: (الفار قليط)، ومعناها الحامد
أو الحمّاد أو أحمد.
وفي التوراة كان الإخبار والتبشير بنبوته ، ولكن يد التحريف طالتها، قال
الله عز وجل: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم
في التوراة والإنجيل والقرآن، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)
(الأعراف:157).
قال ابن تيمية (في الجواب الصحيح) : (والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد
عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم). هذا عدا ما كانت تحدث به يهود،
ورهبان النصارى، والعرب وكثير من الأمم بأن نبيًا قد اقترب زمانه وآن
أوانه.
والبشارات برسالته كثيرة، يضيق المقام عن حصرها، وتلتمس في مظانها.
أسماؤه :
ومن أسمائه : محمد , أحمد , الماحي . الذي يمحو الله به الكفر، والحاشر
الذي يحشر الناس على عقبيه ، والعاقب الذي ليس بعده نبي ، ونبي التوبة ،
وسماه الله تعالى رؤوفا رحيماً.
صفته :
كان ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير ، ولا بالأبيض الأمهق (أي ليس شديد
البياض) ، ولا الآدم (الأسمر) ، ولا بالجعد القطط (لم يكن ذا شعر ملتو
قصير) ، ولا السبط (المسترسل)، رَجَل الشعر (بين البسط والجعد) ، أزهر
اللون (أبيض مشرق) ، مشرباً بحمرة في بياض ساطع ، كأن وجهه القمر حسناً ،
ضخم الكراديس (المفاصل) ، أوطف الأشفار (طول شعر الجفنين) ، أدعج العينين
(شديد سوادها وبياضها مع اتساعها) ، في بياضهما عروق حمر رقاق ، حسن الثغر ،
واسع الفم ، حسن الأنف ، إذا مشى كأنه يتكفأ (يندفع إلى الأمام) ، إذا
التفت التفت بجميعه، كثير النظر إلى الأرض ، ضخم اليدين لينهما، قليل لحم
العقبين، كث اللحية واسعها، أسود الشعر، ليس لرجليه أخمص (باطن القدم)، إذا
طوّل شعره فإلى شحمة أذنيه (أسفلها)، وإذا قصّره فإلى أنصاف أذنيه، لم
يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبه وكان على نُغض (العظم الرقيق) كتفه الأيسر
خاتم النبوة كأنه بيضة حمام، لونه لون جسده، عليه خيلان (جمع خال وهي
الشامة)، ومن فوقه شعرات .
شهوده بنيان الكعبة:
لما بلغ رسول الله خمساً وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمه
فيها ، وكانوا قد اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه فاتفقوا على أن يحكم
بينهم أول داخل يدخل المسجد، فدخل رسول الله فقالوا: هذا الأمين ، فقال:
هلموا ثوباً ، فوضع الحجر فيه وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من نواحيه
وارفعوه جميعاً ، ثم أخذ الحجر بيده فوضعه في مكانه.