الأســباب الجينية
لبعض الإضطرابات النمائية
د.السيد
سعد الخميسي - أستاذ مساعد الاضطرابات السلوكي والنمائية والتوحد- قسم
التربية الخاصة - كلية المعلين - جدة تطور
مفهوم الإعاقات النمائية:ظهر مفهوم الإعاقات النمائية كنتيجة لمروره بمراحل كثيرة ومسميات عديدة كان
لها تأثير كبير في رسم ملامح الصورة الحالية للمفهوم . ففي المجتمعات
القديمة كانت تتعرض تلك الفئة للمهانة والازدراء والاضطهاد الذي يصل إلى حد
الهلاك، حيث كانت تقدر قيمة الفرد بما يعمل وبقدر صلاحيته لأداء هذا العمل
، فكان وجودهم خسارة للمجتمع لأنه يضعف من قوته ، لذا كان أفلاطون يرى أن
نفي هؤلاء الأشخاص خارج البلاد هو الحل الأصلح معهم ، بل كان يرى أن السماح
لهم بالتناسل يؤدي لإضعاف الدولة في جمهوريته الفاضلة .
وفي أسبرطة وفي الدولة الرومانية فكان القانون ينص على التخلص من هؤلاء
الأفراد وطردهم خارج البلاد أو إلقائهم في النهر . وكانت مصر القديمة من
أولى الدول التي اهتمت بالفئات الخاصة ، حيث يؤرخ أول مصدر مكتوب عن التخلف
العقلي لعام 1552 قبل الميلاد وهو بردية طيبة العلاجية في مصر القديمة . (
عبد المجيد عبد الرحيم ولطفي بركات ، 1979، 90-95 ) .
ثم تأثرت العصور الوسطى بظهور المسيحية وعدد من المصلحين الاجتماعيين، فزاد
الاهتمام بتلك الفئة وخصصت أماكن لإقامتهم . وجاء الإسلام فدعا إلى الرفق
بهم وعدم إرهاقهم والتمس لهم العذر فيما يفعلونه وأُنشىء في عهد عمر بن
الخطاب ديواناً يقدم المساعدات للمستحقين منهم .
( كمال مرسي ، د.ت ، 149 )
وفي العصور الحديثة تزايد الاهتمام بهم وكرس بعض الباحثين جهودهم لدراسة
هذه الاضطرابات والكشف عن ماهيتها ، بدءاً من كرابلين الذي وصف وصنف اضطراب
الفصام ، ومروراً بالعالم الألماني دي سانيكس الذي ناقش مختلف مظاهر فصام
الطفولة والفرق بينها وبين الاضطرابات النفسية الشديدة في مرحلة الطفولة ،
ثم العالم الألماني هيللر الذي وصف متلازمة من الأعراض أطلق عليها "متلازمة
هيللر ".
وفي عام 1943 قدم ليو كانر ورقة بحث وصف فيها اضطراباً يتميز بعدة سمات
تختلف عما كان معروفاً من متلازمات في ذلك الوقت ، وأطلق عليها " اضطراب
التوحد "
( عبد العزيز الشخص ، زيدان أحمد السرطاوي ، 1999، ص ص 378-384)
ولم يتم الاعتراف به كفئة تشخيصية إلا بعد أربعة وثلاثين عاماً عندما ظهر
في الطبعة التاسعة من الدليل العالمي لتصنيف الأمراض (ICD-9) الذي تصدره
منظمة الصحة العالمية (WHO) ، وفي عام 1980 ظهر مصطلح " التوحـد " في
الطبعة الثالثة من الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية والعقلية
(DSM III ) ، كما استخدم مصطلح " الاضطرابات النمائية الشاملة " منذ ذلك
الحين ليكون مظلة لوصف مجموعة من الحالات تجمعها عوامل مشتركة ، وليس وصفاً
تشخيصاً - وإن كان بينها اختلافات - وعادة ما تظهر في حوالي السنة الثالثة
من العمر ، ويجمع بينها العوامل المشتركة التالية :
o نقص في التفاعل والتواصل الاجتماعي
o نقص القدرات الإبداعية
o نقص في التواصل اللغوي وغير اللغوي
o وجود نسبة ضئيلة من النشاطات والاهتمامات التي عادة ما تكون نشاطات نمطية
مكررة.( Autism Society of America , 1997 )
وبدأ في الظهور في الطبعة الرابعة من الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض
النفسية والعقلية (DSM IV ) وأصبحت هذه الفئة تضم كلا من الاضطرابات
النمائية التالية :
o اضطراب التوحد .
o اضطراب اسبرجر .
o اضطراب ريت .
o اضطراب الطفولة التحللي أوالتفككي .
o اضطرابات الطفولة غير المحددة .
(National Dissemination Center for Children with Disabilities, 2003 )
تعريف الإعاقات النمائية :يشير مصطلح الإعاقات النمائية إلى ظهور التأخر النمائي لدى الطفل خلال أول
عامين من عمره في مجالين أو أكثر من مجالات النمو ، ويستخدم في ذلك القياس
النفسي والمحك الاكلينيكي ، ويعتبر حصول الطفل على درجات تتراوح ما بين
انحراف معياري واحد إلى انحرافين معياريين دون المتوسط دليلاً على وجود
تأخر نمائي لدى الطفل .
( محمد عبد الرازق هويدي ، 1997 ، 197 )
مدخل
لمفهوم الكروموسومات و الجينات : الخـلية :اكتشفها روبرت هوك منذ ما يزيد على ثلاثمائة عام ، والخلية هي الوحدة
الأساسية التي يتكون منها الجسد ، وتتكون من البروتين الذي نحصل عليه من
الغذاء اليومي بعد أن تهضمه المعدة ويتحلل إلى أحماض أمينيه.ونظراً لأن
جميع خلايا الجسم تتجدد باستمرار - ماعدا الخلايا العصبية - فإن الجسم يقوم
بإنتاج خلايا جديدة لتعويض النقص . وهناك أنواع متعددة من الخلايا منها
الخلايا الجلدية ، والخلايا العصبية ، والخلايا العضلية ، والخلايا الجنسية
( البويضة والحيوان المنوي )إلى أخر أنواع الخلايا
تخصص
الخلية :إن كل خلية من خلايا الجسم تتشابه في التركيب وفي نفس عدد الكروموسومات و
نفس المعلومات الوراثية. أي أن كل خلية لديها القدرة لإنتاج جميع
البروتينات من غير استثناء، وعلى الرغم من لا تقوم كل خلية بإنتاج جميع
البروتينات ، ليس لأنها لا تستطيع ولكن لأنها لا تحتاج جميع البروتينات،
فتبعاً لتخصص الخلية ومكانها في الجسم فإنها تنتج المواد التي تحتاجها ،
أما بقية المواد الأخرى فلا تقوم بتصنيعها. فمثلا خلايا الكبد تنتج فقط
المواد التي تحتاجها وكذلك خلايا المخ تقوم بإنتاج المواد التي تحتاجها
خلايا المخ فقط ، حتى وان كان لديها القدرة على إنتاج جميع المواد. فلكل
عضو وظيفة خاصة به ، فالكبد لها وظيفة معينة والعين لها وظيفة معينه وكذلك
لبقية الأعضاء.
النواة :عبارة عن تكوين مرن سهل التشكل يتوسط الخلية، داخل النواة سائل مليء
بحبيبات تنتظم في شكل ذراعين وساقين مرتبطان من الوسط ، تسمى هذه الأجسام
كروموسومات
الكروموسوماتوهي أجسام صغيرة جداً تشبه الخيط توجد داخل الخلية ، وعن طريقها تتحدد بعض
السمات مثل لون العينين والشعر ولون الجلد ، وتعد مسئولة عن النظام
الكيميائي بالجسم ، فهي تحمل التعليمات الكاملة لخلق الإنسان.
وعدد الكروموسومات في كل خلية من خلايا الجسم (46)كروموسوم .وهذه
الكروموسومات عبارة عن (23) زوج.كل زوج منها عبارة عن كروموسومين متشابهين
بشكل كبير، واحد من هذه الكروموسومات انتقل إلينا من الأب ، والآخر من الأم
. وكل زوج من هذه الأزواج المتطابقة يعطيه الأطباء رقما يميزه عن الآخر
ابتداء برقم واحد للزوج الأول إلى الزوج الأخير رقم 23.
ونظراً لتشابه هذه الكروموسومات يقوم أخصائي المختبر بصبغها بمادة كيمائية .
هذه الصبغة تقوم بتلوين الكروموسومات وتجعلها مخططه أفقيا بالون الأبيض
والأسود . كل خط ( أبيض أو أسود ) يسمى مقطع أو شريحة (BAND)
(VirginiaP.,&Carol,C.,2000)
الزوج الثالث والعشرين له خاصية مهمة من ناحية تحديد الجنس(الذكورة
والأنوثة) لذلك يطلق عليه الأطباء الزوج الجنسي، وفي المقابل يطلق على بقية
الأزواج من الزوج الأول إلى اثنان وعشرين الأزواج غير الجنسية وذلك تميزا
لها .
ويختلف الزوج الجنسي الذكور والإناث . فالكروموسومين الجنسين-في الزوج
الجنسي عند الإناث تقريبا متطابقين(أي متشابهين بدرجة عالية في الشكل
والطول) وكل واحد منهما يرمز إليه بالحرف الإنجليزي X .بينما الكروموسومين
في الزوج الجنسي لدى الذكور مختلفين فواحد منهما يرمز له بالحرف الإنجليزي X
(وهو يشبه كروموسوم X لدى الإناث) بينما الآخر مختلف فهو أقصر بكثير من
كروموسوم X ويرمز إليه بالحرف الإنجليزي (Y).
DNA
و الجينات والبروتينات عند فحص الكروموسوم الواحد ِوجد أنه يحتوي على تجمعات من جزيئات كيماوية
بروتينية ، كل جزيء يشبه السلم الحلزوني ، وحيث أن مادته هي
Deoxyribonucleic Acid ، وهو الحمض النووي المؤكسد ، فقد سُميَ بـ DNA
اختصاراً من الأحرف الأولى لإسمه .
والـ DNA يحتوي على حبات مصفوفة على طوله تسمى جينات (مفرد جين ) يوجد مائة
ألف جين موزع على الـستة وأربعين كروموسوم
وتحتوي هذه الجينات على التعليمات الكاملة لتحضير جميع البروتينات
بأنواعها. والتي هي المواد الأساسية لبناء الخلية ولاستمرارها في العمل. في
كل خلية من خلايا الجسم نسختين من كل جين، واحدة منها موجودة على
الكروموسوم الذي المنقول من الأم ، والجين الآخر موجود على الكروموسوم
المنقول من الأب ،ولكل جين مكانه الخاص والمحدد على طول الكروموسوم
Institute of Human Genetics,2004 )
الأسباب
الجينية للاضطرابات النمائية تحدث الاضطرابات النمائية الناتجة عن عوامل جينية إما بسبب وجود خلل في
الكروموسوم الموجود عليه الجين ، وإما بسبب حدوث خلل في الجين نفسه ، وينتج
ذلك من أخطاء تحدث عند نمو البويضة أو الحيوان المنوي ، فقد يحدث هذا
الخطأ قبل بدء الحمل ،وقد يحدث أثناء عملية انقسام الخلية حيث تنفصل
البويضة أو الحيوان المنوي ومعه كروموسومات قليلة أو كثيرة ، وعندما تلتحم
الخلية التي تحمل عدد خاطيء من الكروموسومات مع بويضة أو حيوان منوي طبيعي،
ينتج عنه جنين لديه خلل في الكروموسومات ، ويطلق على الاضطراب الكروموسومي
بشكل عام تريزومي Trisomy .
وفي بعض الحالات التي يحمل فيها الطفل الجنين عدد خاطيء من الكروموسومات لا
يستمر الطفل على قيد الحياة ، وقد يحدث إجهاض للطفل - تبلغ حالات الإجهاض
التي تحدث بسبب الاضطراب الكروموسومي حوالي من 70% حالات الإجهاض .
وتسمى الاضطرابات التي تحدث للجينات بإسم " طفرة " Mutation وتحدث عند وجود
أي خلل في ترتيب الأحماض النووية على ذراع الكروموسوم ، ويتم هذا الخلل
على النحو التالي :
كل جين يصنع بروتين مختلفاً عن البروتين الذي يصنعه الجين الآخر ،لذلك على
الخلية قراءة ما بداخل الجين لكي تصنع البروتين المناسب . إن خطوات تحضير
البروتين من الجين تتم عن طريق لغة خاصة بها تسمى الشفرة الوراثية ،والتي
هي عبارة عن الأحماض النووية التي تُرص جنباً إلى جنب على ذراع الكروموسوم.
وتختلف أنواع البروتينات عن بعضها البعض باختلاف ترتيب هذه الأحماض النووية
، لذلك فإن أي خلل في هذا الترتيب يؤدي لخلل في تكوين البروتين ، ويسمى
هذا الخلل بالطفرة . وقد تحدث الطفرة في داخل خلية واحدة من الجسم وقد تكون
في جميع الخلايا . وعند وجودها في جميع الخلايا فإنها توحي أنها قد حدثت
في وقت مبكر من العمر-عندما كان عدد الخلايا في الجسم قليلة- أو قد تكون
الطفرة موجودة في البويضة أو الحيوان المنوي ، لذلك فمن الممكن أن يرث
الطفل الطفرة من والديه ، ومن الممكن أن تحدث طفرات جديدة في الخلايا ولم
تكن موجودة عند الوالدين لأنها قد تحدث بعد تكوين الجنين . لذا فالطفرات قد
تكون موروثة ( من أحد الوالدين ) أو غير موروثة .
وعلى الرغم من ذلك فإن بعض من هذه الطفرات لا يسبب مشكلات أو اضطرابات
للفرد ، وتكون الطفرة غير ضارة إذا حدثت الطفرة خارج حدود الجين .أي لم
تحدث في الجين نفسه ولكن حدثت بجانبه في المكان الفاصل بين الجينات، أو إذا
حدثت الطفرة داخل حدود الجين ولكنها حدثت فقط في نسخة واحدة من الجين ولم
يصب الجين الآخر بأي عطب.
هذه قاعدة عامة ولكن هناك عدة استثناءات للحالة الثانية وفيها تكون الطفرة
مؤذيه حتى وإن كانت موجودة في نسخة واحدة من الجين ،ومن هذه الاستثناءات:
1- عندما ينتج الجين المعطوب(المصاب بطفرة) بروتين غير طبيعي ( معطوب )
فيفسد هذا البروتين ،البروتين الطبيعي الموجود في الخلية والذي ينتجه الجين
السليم .
2 - عندما تكون الكمية التي ينتجها الجين السليم لا تكفي في سد النقص
الحادث من عطب في الجين الثاني ، فتكون الكمية في داخل الخلية ناقصة،وهنا
يحدث الاضطراب.
3 - قد تؤثر الطفرة على الجين بشكل عكسي ،فبدلاً من أن تقل الكمية التي
ينتجها الجين المصاب بالطفرة يحدث العكس ووتزيد الكمية المنتجة و المسموح
به داخل الخلية وهذه الزيادة تؤذي الخلية و تسبب الاضطراب.
أشكال الاضطرابات الجينية :يمكن أن يحدث الاضطراب في الجين بأشكال كثيرة ، من بين هذه الأشكال نذكر
منها ما يلي:
o الحذف: deletion
وهو عبارة عن حذف جزء من كروموسوم أو عدة كروموسومات ، ويحدث في أي
كروموسوم وفي أي مقطع ، كما يحدث في أي جزء من الكروموسوم .ويسبب هذا الحذف
صدع للكروموسوم ، أو ينتهي عنده الكروموسوم ،أي ينتهي الكروموسوم عند
الجزء الذي تم فيه الحذف .
ويتوقف تأثير الحذف على حجم الجزء المفقود من الكروموسوم وأي الجينات فقدت
وفي أي قطاع .وعلى أية حال يكون الحذف من أكثر الاضطرابات الجينية تأثيراً
على الفرد .
أن الجزء المرسوم بين المستطيل في الكروموسوم على اليسار قد فُقد من
الكروموسوم نظيره على اليمين
o التغيير : Translocation
يحدث أثناء الانقسام الميوزي ، وفيه يتم كسر في أحد الكروموسومات وينضم جزء
منه إلى كروموسوم آخر ، وهو في بعض الأحيان قد لا يسبب للفرد أية مشكلات
لكنه قد يسبب مشكلات لأولاده وهو ما يعرف بـ Translocation balanced .
o الإضافة أو النسخ: Duplication
وفيه يتم نسخ أو إضافة جزء من الكروموسوم ، حيث يحمل الفرد ثلاث نسخ بدلا
من نسختين ، وعليه يكون لدى الجين نسخة زائدة من التعليمات ، مما يسبب
الاضطرابات لدى الطفل
o الانقلاب أو الشقلبه:
يتكون الانقلاب من منطقتين معطوبتين في كروموسوم واحد ، والمساحة الواقعة
بين هذين الممساحتين يتم قلبها أو عكسها ( أي تدور حول نفسها ) ليعيد
الانضمام لجسم الكروموسوم من بداية خروجه منه ، وإذا كان الانقلاب هذا في
وسط الكروموسوم سُمي ( الانقلاب المركزي )، أما إذا كان غير ذلك سُمي
انقلاب غير مركزي .
Genetic Information and Patient Service, 2002)) (Genetic Science
Learning Center ,2003)
نماذج لبعض الاضطرابات النمائية الناتجة عن
الاضطراب الجيني
أولاً---- الاضطرابات الناتجة عن شذوذ في الكروموسومات العامة :
التوحـــــــد: Autism تعد إعاقة التوحـد أو الأوتيزم من أكثر الإعاقات صعوبة وشدة ، وذلك من حيث
تأثيرها على سلوك الفرد الذي يعانى منها وقابليته للتعلم أو التطبيع أو
التدريب أو الإعداد المهني أو تحقيق قدر مناسب من التعلم ، أو درجة مناسبة
من الاستقلال الاجتماعي و الاقتصادي ، أو القدرة على حماية الذات إلا بدرجة
محدودة ولعدد محدود من الأطفال . كما أنه يعوق قدرات الفرد بصفة حادة ،
وخاصة فى مجالات اللغة والعلاقات الاجتماعية والاتصال.
ويرجع الفضل فى اكتشاف هذه الإعاقة إلى العالم ليوكانر Leo kanner ، الذي
كان أحد أساتذة الطب النفسي بجامعة هارفارد ، حيث كان يقوم بفحص مجموعات من
الأطفال المتخلفين عقليا بالولايات المتحدة الأمريكية ولفت انتباهه أنماط
سلوكية غير عاديه لأحد عشر طفلا كانوا مصنفين على أنهم متخلفون عقلياً ،
فقد كان سلوكهم يتميز بما أطلق عليه مصطلح التوحد الطفولي المبكر Early
infantile autism ، حيث لاحظ أن تفكيرهم يتميز بالاجترار الذي تحكمه الذات
وحاجات النفس ، وأنهم بعيدون عن الواقعية وعن كل ما حولهم من ظواهر أو
أحداث أو أفراد حتى ولو كانوا أبويه او إخوته ، فهم دائمو الانطواء والعزلة
ولا يتجاوبون مع أي مثير بيئي في المحيط الذي يعيشون فيه ، كما لو كانت
حواسهم الخمس قد توقفت عن توصيل أي من المثيرات الخارجية إلى داخلهم التي
أصبحت في حالة انغلاق تام ، وبحيث يصبح هناك استحالة لتكوين علاقة مع أي
ممن حولهم كما يفعل غيرهم من الأطفال وحتى المتخلفون عقليا منهم ، كما
وصفهم كانر أيضا بأنهم لم يرتقوا بصورة سويه في علاقاتهم بالآخرين ، حيث
كانت قدرتهم اللغوية محدودة للغاية ولديهم رغبات قهرية في ممارسة نفس
السلوك مرات عديدة.(عمر بن الخطاب ، 1997 ، 25) ، (عثمان لبيب فراج ، 1994 ،
3) وأنهم مستغرقون في ذواتهم ولديهم مشكلات حادة في المهارات الاجتماعية
والسلوكية وفى الاتصال .
( Department of developmental services , 1999,)
وعلى الرغم من أن هذا العالم قد قام برصد دقيق لخصائص هذه الفئة من الأطفال
وتصنيفهم على أنهم فئة خاصة من حيث نوعية الإعاقة وأعراضها التي تميزها عن
غيرها من الإعاقات فى عقد الأربعينيات ، إلا أن الاعتراف بها كفئة يطلق
عليها مصطلح Autism أو التوحد أو الاجترار في اللغة العربية لم يتم إلا
مؤخرا ، حيث كانت تشخص حالات هذه الفئة على أنها نوع من الفصام الطفولى
Infantile schizophrenia وذلك وفق ما ورد فى الدليل التشخيصي الإحصائي
للأمراض العقلية الطبعة الثانية (DSM.2) ، ولم يتم الاعتراف بخطأ هذا
التصنيف إلا عام 1980 ، حينما نشرت الطبعة الثالثة المعدلة ( DSM.3R) ،
والتي فرقت بوضوح بين الفصام وبين التوحد ، وأصبح الاتفاق مؤكدا على أن
التوحد أحد اضطرابات نمو المخ مثل عسر القراءة ، والتخلف العقلي وإضطرابات
الانتباه ، وهو لا يعد أحد أشكال التخلف العقلي ( Autism network
international ,1997,) ، كما أنه ليس مرضاً معدياً .
(Derendu,.S.,1998,)
خصائص الأطفال المصابين
بالتوحد:-1- ينحني بظهره في الطفولة ليتجنب الاتصال بالآخرين .
2- غالبا ما يوصف بأنه سلبي أو متهيج.
3- صعوبات في الاتصال اللفظي وغير اللفظي مع بطء أو انعدام اللغة ، مع
استعمال غير ملائم للكلمات.
4- صعوبات في الأنشطة الاجتماعية وفى أنشطة اللعب.
5- استهلاك كبير للوقت بمفرده بعيدا عن الآخرين .
6- أدنى اتصال بالعين مع الآخرين .
7- اضطراب حسي ، حيث يبدو أكثر حساسية للمس أو أقل حساسية للألم .
8- أنشطة شاذة للعب حيث ينقصه اللعب التخيلي وتقليد حركات الآخرين .
9- أنماط من السلوك الشاذ مثل حركات متكررة للجسم (مثل هز اليد أو التصفيق)
والإصرار على تكرار العادات .
10- نوبات غضب وعدوان .
11- ارتفاع هرمون السيروتونين في الدم والسائل الشوكي .
12- اختلال وظيفي في جهاز المناعة .
13- الضعف في إدراك أفكار الآخرين ووجهة نظرهم .
14- إمكانية وجود مهارات أو قدرات عالية .
15- ضيق مجال الانتباه والتركيز .
16- شذوذ في شكل الدماغ أو المخ .
17- انخفاض قلق الاتصال لديه .
18- لا يستطيع أن يتحدث عندما يريد ذلك .
19- لا يستطيع أن يقوم بالمعالجة والتعامل الدقيق للأشياء باليد .
( السيد الخميسي ، 2002 ) (Autism society of America , 2000)
(Goodgive, J.,2000, 4)
دور العوامل الجينية في
الإصابة بالتوحد :رغم العقود الستة الماضية منذ اكتشاف التوحد ، ورغم العديد من البحوث التي
أُجريت منذ الخمسينيات - ولا زالت تجرى حتى الآن - والتي تشعبت لمجالات
العلوم المختلفة ، لم تستطع كل هذه الجهود البحثية الكشف عن العامل أو
العوامل الرئيسية المسببة للتوحد . حتى إن كل ما نستطيع قوله الآن فيما
يتعلق بأسباب التوحد هو ضرب من محاولات واجتهادات من قِبل بعض الباحثين أو
الجهات البحثية العاملة بالمجال .
وما ينطبق على أسباب التوحد ينطبق بالطبع على الأسباب الجينية للتوحد ، إذ
أن البحوث والدراسات التي أُجريت عن التوحد مازالت إلى الآن لما تتوصل إلى
السبب المباشر المؤدي للتوحد ، وأن النتائج التي تمت لم تتعرف الجين المسبب
للتوحد، وهل هو جين واحد أم عدة جينات ؟ وهل هذه الجينات توجد في كروموسوم
واحد أم تتجمع في عدة كروموسومات ؟
كل هذه التساؤلات ما زالت البحوث لم تستطع الإجابة عليها حتى الآن ، وعلى
الرغم من ذلك فقد استطاعت تلك الجهود التوصل لنتائج ذات أهمية بالغة،ويمكن
تلخيص هذه النتائج على النحو التالي :
o أنَّ للوراثة والجينات دوراً كعامل مسبب للتوحد ، ولكن لم يتم التعرف عن
طبيعة هذا الدور ، هل هو مباشر نتيجة دور معين ؟ أم أنه نتيجة تأثير غير
مباشر ؟
( عثمان لبيب فراج ، 2003 ،2) (Rimland,B.,1999) ( Rimland,B.,1998)
o يعتمد الباحثون في دراساتهم عن العوامل الجينية على دراسة التوائم والأسر
التي تنتشر فيها الإصابة بالتوحد وعلى الفحوص والتحاليل الوراثية ،وقد
أظهرت الدراسات التي أجريت على أسر الأطفال المصابين بالتوحد أن من 2 : 9 %
من الأطفال المصابين بالتوحد لهم إخوة مصابون بالتوحد .
وفى دراسة للتعرف على تأثير الجينات الوراثية في حدوث التوحد ، تم فحص
مجموعة من التوائم ، بعضهم متشابه والآخر غير متشابه (متشابه أي الأخوين
مصابان بالتوحد ، وغير متشابه (بمعنى وجود أخ واحد فقط مصاب بالتوحد) ، وتم
تحديد ما إذا كانا متماثلين عن طريق تحليلات الدم .
كما تم التشخيص دون أن يعرف القائم بتشخيص التوحد أن هؤلاء الأطفال إخوة أو
أنهم متماثلان أو غير متماثلان ، وقد بلغت نسبة الاتفاق في حوالي 21 زوج
من التوائم وكانت النسبة 36 % من العينة الكلية .(Sue,D.,et al,1997,474) .
o هناك عدد محدود من حالات التوحد كان السبب فيها جين مفرد وهي حالات
التصلب الدرني ، وحالات PKU التي لم تعالج ، وحالات كروموسوم X الهش ، وهي
جميعاً حالات مسببة لكل من التخلف العقلي والتوحد . ( Katharine, E., 2004)