الحكمة في قصة لقمان الحكيم ....
ثالثا: قصة لقمان وابنه
شهد الله بحكمة لقمان -عليه السلام- مع أن القول الراجح أنه ليس نبيا ( )
وقد ورد في حكمة لقمان، آثار كثيرة، ذكرها المفسرون، ومنها ما هو صحيح
ومنها ما هو ضعيف، ولكنني سأقف مع ما نلمسه من حكمة في القصة التي ذكرها
القرآن حين وصى لقمان ابنه:
1- وأول ما يشدنا في هذه القصة حسن الأسلوب الذي يستخدمه لقمان أثناء دعوته
لابنه، حتى إنه يخاطبه بأحب الألقاب إليه، وأقربها إلى نفسه "يا بني"
وبهذا يتمكن من السيطرة على قلبه وعقله، وذلك أدعى لقبول النصح والوعظ، وأن
مبعثه الحب والشفقة والقربى.
2- أن لقمان جمع في وعظه لابنه بين الأصول والفروع، والأقوال، والأفعال،
والاعتقاد، والأمر، والنهي. فها هو ينهاه عن الشرك، ثم يأمره بالصلاة،
ويذكره بعدل الله، وشمول علمه وإحاطته، ثم نجده يأمره بأن يقوم بشعيرة
الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وينهاه عن الكبر، والخيلاء، والعجب،
والغرور. حتى مشيته يبين له كيف تكون، وصوته له ضوابط وموازين.
3- أن وصايا لقمان لابنه بلغت عشرا بين أمر، ونهي، وإخبار، في معنى الأمر
أو النهي، كل هذا في كلمات قصيرة جميلة بعيدة عن التكلف، وهذا من الحكمة،
ولهذا جاءت الحكم والأمثال من كلمات قصيرة المبنى كبيرة المعنى، وهذا ما
نلمسه في وصية لقمان لابنه.
4- أن الداعية يخرج من قصة لقمان بعدة دروس أهمها:
(أ) حسن الأسلوب، واختيار أفضل الكلمات للوصول إلى قلوب المدعوين.
(ب) التركيز على الأصول من التوحيد وغيره، مع عدم الإخلال بالفروع.
(جـ) الإيجاز مع التركيز والشمول.
(د) أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ليس بالأمر الهين واليسير، ولذا
يخشى على صاحبه من المزالق، ويستطيع الداعية أن يتخلص من ذلك بالصبر،
والتواضع، والتزام منهج الوسطية في أموره كلها.
وبعد:
فهذه وقفة سريعة مع هذه القصة العظيمة التي تنبض حكمة وعلما وفقها (وَمَنْ
يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (البقرة: من
الآية269).