القراصنة
أطلقت
السفينة صفاراتها مؤذنة للرحيل … و تفقد الركاب حاجياتهم من أوراق السفر و
انطلق إبراهيم من غرفته في السفينة إلى ظهرها... يريد ان يراقب الشاطىء
القبرصي الجميل في مدينة لارنكا وهو يبتعد قليلا قليلا عن السفينة حتى غاب
عن الأبصار…
كان رذاذ الماء يملأ وجه ابراهيم و معطفه الجلدي الذي يغطي رأسه و حتى أخمص قدميه…..
فلما غابت الأشجار و الببيوت و الطرقات من أمام ناظريه، و توسطت السفينة البحر فلم يعد هناك ما يراه إلا المياه من كل جانب…
سرت قشعريرة برد في جسده فعاد مسرعا إلى غرفته و إلى من تركه فيها....
في تلك الغرفة كان والد ابراهيم يجلس وحيدا لا يغادرها، وقد وضع بجانبه
عصا كبيرة و رجلا اصطناعية في نهايتها حذاء كبير، بينما غطى وجهه بنظارة
سوداء كبيرة... وقد تعود ابراهيم على منظر والده برجله المقطوعة و عينه
المعصوبة... و لكنه استغرب عنوان الكتاب الذي كان بين يديه فسأله؟
ما معنى قراصنة البحر يا والدي..؟
تلك قصة ظريفة أقرؤها...
اشتريتها كي أتسلى بها أثناء السفر... إنها قصة قديمة عن لصوص البحر و هم يسطون على إحدى السفن التجارية و القراصنة هم لصوص البحر.
فتملك ابراهيم بعض الدهشة فقال:
و هل في البحر لصوص؟
ذلك كان في غابر الأزمان فكما كان هناك قطاع طرق يهاجمون القوافل و العربات...
كان هناك قراصنة بحر، متخصصون في الإعتداء على السفن البحرية لسرقة الأموال و الأمتعة...
أو لسرقة الرجال و النساء و الأطفال لبيعهم عبيدا في بلدان أخرى.
و تملك ابراهيم الرعب و هو يسمع عن سرقة الأطفال و الرجال فقال:
و هل هناك قراصنة في هذه الأيام؟
ابتسم الأب و هو يقول: لا لم يعد هناك قراصنة ولا قطاع طرق... فلقد أصبح السفر في البحار امنا...
منذ وضعت الأنظمة و القوانين الدولية التي تمنع تعرض أي انسان لأي سفينة
تسير في البحار، و منذ أصبح الأتصال اللاسلكي سهلا بين السفن و بعضها، و
بينها و بين البلد التي تنتمي اليه..ثم ان كل دولة تحمي سواحلها و مياهها
الأقليمية و سفنها و مسافريها... و ذلك بإيجاد سفن و رجال شرطة بحرية...
أما في المياه التي لاتتبع أي دولة ويسمونها أعالي البحار، فتكون حرية
الملاحة مكفولة للجميع، و لا يحق لأي دولة الإعتداء على سفن غيرها فيها...
تابع الأب قراءة قصته, بينما جلس ابراهيم يفكر بلصوص البحر و مغامراتهم....
كان ابراهيم ووالده مسافرين إلى أرضهما لبنان بعد غياب طويل أمضياه في المستشفيات..
فقد كانت إحدى القنابل الإسرائيلية قد سـقطت على بيتهم في بيروت و أصابتهم
إصابة مباشرة... نقلوا بعدها إلى المستشفى في مدينة لارنكا في جزيرة فبرص
للعلاج..
فقد كانت جراح الأب خطيرة فقطعت رجله اليمنى و فقئت عينه، بينما توفيت
الأم مباشرة متأثرة بجراحها... و كان شوق ابراهيم ووالده للعودة إلى
أرضهما كبيرا... شوق لا يعاد له إلا الحزن على فقدان الأم رفيقة عمر
الأب....
دقائق و اضطرب الموقف على سطح السففينة...كأن اعصارا مفاجئا ثار على
المنطقة بكاملها و انطلقت صفارات الإنذار تصم الاذان... و اضطرب الأب و
ابراهيم ... و قام الأب إلى رجله الصناعية يريد أن يلبسها... ولكن ابراهيم
لم يلتفت إليه ليساعده، بل جرى إلى سطح السفينة يستطلع الأمر...
عن بعد تراءى لابراهيم سفينة رمادية كبيرة الحجم تتجه إليها أنظار الجميع
و هي تقترب منهم يسرعة كبيرة كانت تطلق صفارات عالية ، و تحدث بسرعتها
اضطرابات كبيرة في الأمواج.
ولفت نظر ابراهيم علم السفينة فإذا هو يشبه أعلام الدبابات و الطائرات
الإسرائيلية التي كان يراها تدك بيروت قبل سنوات، و لفت نظره فوهات
المدافع على سطحها...هل تكون تلك السفينة كالدبابات و الطائرات
الإسرائيلية...؟ هل تحمل مدافعها هزة, قنابل كتلك التي نحملها الدبابات..؟
و هل ستطلق مدافعها و قنابلها علينا..؟
و أوقفت السفينة القبرصية محركاتها تماما بينما توقف عقل ابراهيم عن التفكير!!
هل سأصاب بالجراح مرة أخرى؟... وهل سيفقد والدي رجله الأخرى أم سيموت كما ماتت والدتى؟... ماذا يريدون منا و لماذا يوقفون سفينتنا؟..
اقتربت السفينة الأسرائيلية ، و نزل منها جنود اسرائيليون يحملون نفس
البنادق التي راها من قبل، و من على حبال السفينة القبرصية تدافع الجنود
الإسرائيليون يملؤون سطح السفينة و ممراتها و غرفها..
عن ماذا يبحثون؟ و ماذا يريدون؟ هل يريدون سرقة الأموال و الأمتعة؟..أم
يريدون سرقة المسافرين انفسهم؟ هل هم قراصنة البحر الذين حدثني أبي عنهم
قبل قليل؟..
و بعد أكثر من ساعة سمع القائد الإسرائيلي يقول لقائد السفينة القبرصية:
- يمكنكم الان متابعة سيركم... كنا نريد التأكد من أنكم لا تحملون فدائيين فلسطينيين معكم،فقد أوقفناكم للقبض عليهم.
إذا كانوا يريدون سرقة الرجال حقا... كانو يريدون سرقة الفلسطينيين...
فأين هي القوانين و الأنظمة التي قال أبي انها تحمي الانسان في سفره في
البحار؟ و كيف قال انه لم يعد هناك قراصنة في البحار ؟ تلك مسألة غريبة
حقا...
و في تلك الليلة و في الليالي التالية كان حديث ملاحي السفينة وركابها
غريب ايضا... لم يفهمه ابراهيم ... كانو يروون قصصا عن حوادث سرقات و
قرصنة قامت بها سفن اسرائيلية لسفن عربية و غير عربية... أحدهم ذكر كيف
سرقت اسرائيل سفينة عليها طلاب عرب و اقتادتها إلى الشواطئ الفلسطينية
المحتلة للتحقيق معهم..
و أحدهم ذكر كيف سرقت اسرائيل لسفن تحمل مواد ثمينة جدا اسمها "اليورانيوم
المشع"... وقصة عن قصف السفن والطائرات الإسرائيلية لسفينة امريكية تسمى
"ليبرتي" و قتل ملاحيها...
و قصص عن قصف المدن اللبنانية من السفن الحربية الاسرائيلية من البحر...
في تلك الليلة قالوا قصصا كثيرة... بعضها فهمها ابراهيم و بعضها لم يفهمها
فسأل عنها فيما بعد... و لكنه ظل منذ تلك الليلة يفكر فيما رأى و فيما
سمع... قال في نفسه لا بد أن الأطفال العرب سيسمعون ايضا ما حصل لي و
لوالدي و ما يحصل لغيري من الفلسطينيين العرب... و لا بد أنهم سيفكرون بما
أفكر به الان... وهو الى متى ستظل اسرائيل تخيفنا بدباباتها و طائراتها و
سفنها الحربية ..؟
الى متى ستظل على لصوصيتها و قرصنتها و إرهابها..؟ و من سيوقفها عن
أعمالها الشريرة...؟ و من سيضع حدا لإرهابها؟؟ و لا بد اننا جميعنا، انا
والأطفال العرب عندما نفكر معا في تلك المشكلة سنجد لها حل.[/size][/size][/size][/size]